البور وسهول حوران
رغم أن زراعة التبغ (الدخان) تحتاج إلى ترخيص خاص من وزارة الزراعة، لأن هذه النبتة تقتل الأرض وتبوّرها (من البور)، وتجعلها عقيماً في قادم السنوات، إلا أن حضوراً زراعياً ما زال ملموساً لهذا النبتة الخبيثة السامة، ومن المفروض أن زراعة القمح تحظى بتشجيع الحكومة ودعمها، إلا أن ما كل بيادرنا لا تكفينا (خبزاً) لمدة أسبوع واحد فقط: ما أعظمنا!.
من يقف في رأس بلدة نعيمة، أو على مرتفع في شطنا، أو في أعالي بلدة الحصن الجميلة في إربد، ويمد نظره في تلك السهول المبسوطة كراحة اليد، والتي ما زالت تعرف ب(سهول حوران)، والتي تصل إلى ما بعد درعا، من يقف هناك؛ سيترحم متحسراً على أيام كانت بلادنا هذه تسمى أهراء روما (الصوامع الكبيرة التي كان يخزّن بها القمح)، أو سلة غلال الإمبرطورية الرومانية، لكثرة ما تنتجه من من خيرات!.
لا أريد أن أقول القول المكرور والمعروف، من أن القمح سلعة استراتيجية، قد تستعمل سياسيا للضغط على الشعوب وقراراتها، لا أريد أن أقول، لأنني لا أكاد أتخيل حالنا، فيما لو وقعت كارثة بحرية، لا قدر الله وسمح، تمنع البواخر من الوصول إلينا بطعامنا. أو أن حربا تشتعل الآن ستحول دون وصوله إلينا أو حتى زراعته في دول كنا نستورده منه.
نحن نميل للسهولة والراحة والاسترخاء، والسهولة وأخواتها لا تبني مستقبلاً، ولا تحقق إمتيازاً حضارياً يثير التاريخ. وإلا ما المعنى أن غالبية الأراضي الصالحة لزراعة القمح باتت تزرع بالحمص (الحاملة الملانة). ألأن هذا النبات المطلوب شعبياً تباع مفروطة بسعر عال على قارعة الطرقات، أم أنها لا تحتاج إلى حصاد ودراس كالقمح، فما دمنا قادرين على إنتاج الحمص بهذا الوفرة والكثرة، فلماذا ما زلنا نستورد الحمص لفلافل المطاعم من تركيا والبرازيل بأسعار عالية تثقلنا.
سيقولون: الأرض تبدلت والمناخ تغير، والظروف لم تعد ملائمة، ثم أن أمريكيا ما زالت تزرع. ولكن نتناسى أن من لا يمزج ماء جبينه في لحمة الأرض وترابها، فلن تمنحه لقمته بهناء وسيادة!.
اليوم نقول: كم كنا مخطئين حين تركنا أرضنا بورا بلا زراعة.
الدستور