رعد الفلسطيني يُسقط أحجار "الدومينو"
عاش الاحتلال الإسرائيلي ليلة رعب غير مسبوقة ليلة الخميس الماضي السابع من نيسان (أبريل)، واستنفر الجيش، وعاش السكان حالة ذعر في تل أبيب، وشُلت الحياة، وكل هذا الاضطراب، والفزع، والخوف أحدثه شاب فلسطيني اسمة "رعد حازم"، لا يقف خلفه جيش، ولا تنظيم، وكل ما يملكه بندقيته، وشعور طاغٍ بالظلم والقهر امتد طوال سنين عمره التي اقتربت من الثلاثة عقود.
في مقال بعنوان "رعد فتحي حازم أراد أيضا ساعة سعيدة" يُلخص جدعون ليفي في صحيفة هآرتس حالة رعد بقوله: "ولد رعد في 29 نوفمبر 1993، في الذكرى السنوية لقرار الأمم المتحدة بإقامة دولتين في فلسطين، ولد على أمل أوسلو، ونشأ في فترة تدمير المخيم، وفي حملة السور الواقي كان طفلا في التاسعة من عمره عندما اجتاحت الدبابات الإسرائيلية مخيمه للاجئين، ودمرت وسطه، وقتلت 56 من سكانه".
يتابع ليفي "شاهد هذا الطفل في الشوارع الجثث التي لم يكن من الممكن دفنها حتى رحيل الجيش، والدبابات تسحق منازل، وسيارات السكان الذين كانت حياتهم قاسية، ومضطربة، وجرافة تُسوي المخيم بالأرض، وتحوله إلى كومة من خراب حسبما تفاخر قادة الجيش في حينه".
قتل جنود الاحتلال رعد حازم بعد تسع ساعات من المطاردة، لكن عملية تل أبيب عادت لترسيم حقائق غابت عن الخارطة السياسية، ملخصها: مشاريع السلام والحلول، مهما كانت لن تأخذ شرعيتها دون موافقة الفلسطينيين.
منذ قمة النقب، وسبقتها قمة شرم الشيخ، عاشت الأراضي المحتلة تصعيدا بتنفيذ عمليات عسكرية، جلها يقوم بها أفراد لا تقف خلفهم تنظيمات فلسطينية، مما يُصعب اختراقهم، وتعقبهم من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والفلسطينية، ويمكن أن تُقرأ هذه العمليات بأنها رد، وتذكير بأنه لا يمكن تجاهل الفلسطينيين، وحقوقهم.
رعد الفلسطيني قد يُعجل في سقوط أحجار "الدومينو"، وعلى الأرجح فإنها ستعصف بالسلطة الفلسطينية العاجزة والمتهاوية، ولن تسلم منها الحكومة الإسرائيلية التي أصبحت على شفير الهاوية.
في الأشهر الماضية شعرت السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس أنها لم تعد على أجندة معظم القادة العرب، وإسرائيل تبني تحالفات معهم بمعزل عن حل القضية الفلسطينية، باعتبارها جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، ولهذا فإن التصعيد، والفوضى لن يضرها كثيرا، بل على العكس قد يُستنجد بها مجددا لضبط الأوضاع، ومنع الانفلات، وفي الساعات الماضية تسربت معلومات أن رئيس الحكومة الإسرائيلية طلب دعما ومساندة من السلطة، وبعض الأطراف العربية لتطويق الانفجار، ومنع سقوط حكومته بعد أن فقدت أغلبيتها.
عملية تل أبيب وما سبقها؛ هل هي مقدمة لانتفاضة فلسطينية جديدة بعد أن أغلقت كل نوافذ الأمل، وتعمّق الإحباط، وظهرت السلطة عاجزة، عارية أمام شعبها، ولا تملك القدرة على التغيير؟
وهذا يقود إلى سؤال آخر حول قدرة الرئيس الفلسطيني أبو مازن على الاستمرار في ظل مؤشرات عن تراجع حالته الصحية، وبعد أن أرجأ الانتخابات إلى أشعار آخر؟
مسألة خلافة أبي مازن لا تُناقش في العلن، وصراعاتها في السر لا تهدأ، والمرشحون لوراثة محمود عباس إسرائيليا لا يحظون برضى الشارع الفلسطيني حكما، والقادرون على توحيد الفلسطينيين، وجمع شملهم لن يجتازوا الفيتو الإسرائيلي، وربما العربي كذلك، إلا إن كانت هناك ضرورة مُلحة جدا لهم، وهذا قد يحتاج معجزة.
كان من المفترض أن يدعو الرئيس محمود عباس مؤتمر حركة فتح للانعقاد، وعملية تل أبيب جعلت من دعوته مغامرة غير محسوبة، فقد تفلت خيوط اللعبة من يديه، فالواقع الميداني يقول إن قواعد فتح غاضبة، وترى مكانها في الشارع، وبالمواجهة مع قوات الاحتلال التي تُخطط لاجتياح مخيم جنين، وبعضها يُطالب علنا بسحب الاعتراف بإسرائيل، وحل السلطة، والاشتباك مجددا مع الاحتلال.
حماس رغم التصعيد ظلت منضبطة، لم تُطلق صواريخها من غزة، ولم تدخل في اشتباكات في مناطق حدودها مع جيش الاحتلال، واكتفت ببعض البيانات، وهو ما يحتاج تحليلا وتفسيرا.
عملية تل أبيب التي لم تستمر سوى ساعات أطلقت رصاصة الرحمة على حكومة نفتالي بينيت التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وأكثر من سيناريو مستقبلي يجري الحديث عنه، أكثرها سوءا للسلطة الفلسطينية، والأردن أن يعود نتنياهو رئيسا للحكومة، وأقل سيناريو ضررا أن يتمكن وزير الخارجية يائير لابيد من تشكيل الحكومة، أو أن تصمد حكومة نفتالي منزوعة الدسم، دون أن تتمكن من تمرير أي قرارات، بانتظار التصويت على الميزانية في شهر آذار من العام القادم 2023، مع التذكير أن هذه السيناريوهات قد يتقدمها انهيار الحكومة، والدعوة لانتخابات جديدة للكنيست.
لا يرى جدعون ليفي وحده بأن إسرائيل لا يمكن أن تشعر بالأمان، ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، فالكاتب شمعون شيفر في مقالة في جريدة يديعوت أحرنوت يصف عملية تل أبيب على النحو التالي "آلاف من أفراد الشرطة، جنود وحدة "سييرت متكال" الخاصة، ومئات المواطنين مع مسدسات ممشوقة، ترافقهم طواقم تلفزيونية؛ طاردوا (مخربا) وحيدا.. مهزلة حقيقية"، ما يُريد شيفر قوله باختصار؛ كل ترسانة إسرائيل من الأسلحة لم تُفدها في مواجهة شاب كان لديه استعداد للموت، والتضحية بحياته، والنتيجة الأهم أن معاهدة أوسلو بعد 3 عقود لم تحقق لـ "رعد حازم"، وغيره حلمهم في دولة فلسطينية ذات سيادة، يعيشون فيها بكرامة وإنسانية.
المصدر : الحرة