الغرب وروسيا ولعبة «رغيف الخبز»
لا تكاد تخلو ثورة غيرت مجرى التاريخ سواء على مستوى الدولة التي شهدتها أو على مستوى العالم إلا وكان رغيف الخبز هو كلمة السر التي أشعلتها والزيت الذي صُب على النار ليزيدها اشتعالاً، فمن الثورة الفرنسية إلى احتجاجات الطحين في نيويورك وخبز ريتشموند وغيرها المئات من الانتفاضات الشعبية التي شهدتها مختلف قارات العالم كان الخبز هو القشة التي قصمت ظهر البعير.
اليوم والعالم منقسم بين غرب يحمل روسيا مسؤولية تعطل وصول إمدادات الحبوب ونفي موسكو واستعدادها لتسهيل تصدير المحاصيل الأوكرانية يواجه العالم أزمة غذاء وارتفاع جنوني بالأسعار قد تعيد إلى الواجهة «ثورات الخبز» وانتفاضات غلاء الأسعار.
الدول الغربية وروسيا تمارس لعبة مميتة قد تحرق العالم بنيرانها إذا ما استمرت على ذات المنوال، فموسكو ترى في ورقة الغذاء الورقة الرابحة لمواجهة الغرب وخلق حالة من الضغط العالمي لكسر الحصار المفروض عليها، وفي المقابل يريد الغرب إذلال روسيا وإظهارها دولة مارقة تمنع الغذاء عن شعوب العالم، والمتأثر الأول في هذا السيناريو الدول الفقيرة والنامية والتي لا ناقة لها ولا جمل في الصراع الدائر بين المعسكرين.
الدول الأكثر تأثراً من «صراع الحبوب» هي دول أفريقيا والشرق الأوسط، فغالبيتها تعتمد على استيراد المحاصيل وخاصة القمح والشعير والذرة، وانتاجها المحلي لا يكاد يكفيها لعدة أيام، وهذه الدول تعاني أصلاً من مشاكل اقتصادية واجتماعية تجعل منها دولاً هشة ذات قابلية للاحتجاج وعدم الاستقرار، وهي بذلك تُجر عنوة إلى الصراع الروسي الغربي للوقوف إلى جانب أحد الطرفين، وهذا ما يترافق مع قيام بعض الدول المنتجة من خارج دائرة الصراع بممارسة حالة من العنصرية القومية عبر منع تصدير القمح لضمان أمنها الغذائي وتجنب أي اضطرابات محتملة نتيجة لذلك.
ما يجري أقرب إلى خلق حالة من عدم الاستقرار لتغيير المشهد العالمي، والفوضى ليست بحاجة لأكثر من شرارة يتم إطلاقها في دولة ما لتنتقل كالنار في الهشيم إلى دول أخرى عديدة، والولايات المتحدة وروسيا ليستا على استعداد لتقديم أي تنازلات لمنع وقوع هذا السيناريو، وكل منهما لا يرى في رغيف خبز الفقراء سوى أداة لتحقيق مصالحه وأهدافه.
هذا الواقع غير الأخلاقي ليس بالجديد، وجميعاً يتذكر تماماً بدايات تفشي جائحة كورونا وكيف عملت الدول الكبرى على حماية أمنها الصحي إلى الدرجة التي وصل فيها الأمر إلى ممارسة القرصنة والاستيلاء على شحنات المستلزمات الطبية دون أي اكتراث بتأثيرات ذلك على دول العالم الأخرى، فالدول الكبرى تظهر وجهها الحقيقي وقت الأزمات وشعارها واحد وهو «أنا ومن بعدي الطوفان».
باختصار فإن الدول الكبرى التي تدعي التقدم والتطور ليست أكثر من دول مادية غير معنية بتداعيات سياساتها وقراراتها على الآخرين، ومَن لا يريد أن يعمل على فك ارتباط رغيف خبزه بهذه الدول عليه أن يتوقع في أي لحظة تحريك هذا الرغيف لتغيير المشهد حسب مصلحة «الخباز».
«لعبة رغيف الخبز» التي تمارسها أمريكا وروسيا لن تقف عند حدود الصراع في أوكرانيا، والعالم أقرب إلى حالة الوقوف على رجل واحدة، فهل تكون هذه اللعبة هي الشرارة التي تذهب بالعالم إلى أكثر السيناريوهات سوداوية؟.
الدستور