لماذا لم يتعلم إخوان الأردن ومصر من إسلاميي تركيا والمغرب ؟
أعتقد أن الرابع من أيلول القادم ( هذا الأسبوع ) سيكون حاسما بالنسبة لما يطلق عليهم " إخوان المغرب " .. ممثلين بحزب العدالة والتنمية المغربي الذي يستعد هذا الأوان لخوض انتخابات محلية ساخنة بعد أربع سنوات من حكم البلاد بالإئتلاف مع أحزاب أخرى .
ولا نريد هنا أن نقف مطولا عند نفي انتماء حزب العدالة والتنمية المغربي للإخوان أو انتمائه لهم ، إلا أن اللافت في أمر هذا الحزب ، أنه تمكن من قيادة البلاد لمدة أربع سنوات مع أحزاب أخرى وتمكن من أن يسجل إنجازات مختلفة ، وفق ما يقول مناصروه ، وقد يكون له شأن في هذه الإنتخابات وفي الانتخابات التشريعية القادمة .
ولعل تجربة الإخوان المسلمين في الأردن في انتخابات البرلمان الحادي عشر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، كانت علامة بارزة في ولوجهم معترك الحياة السياسية في الأردن بعد انقطاع دام عقودا ( عودة الحياة السياسية ) حيث فازوا في البرلمان المذكور بـ 22 مقعدا مارسوا خلالها المعارضة الساخنة ، إلا أن انتكاستهم كانت عندما قاطعوا الإنتخابات في العامين 1997 و2010 ونأوا بأنفسهم عما تسميه السلطات الرسمية " قضايا وطنية " في حين ركزوا جل اهتمامهم على الخارج وعلى الشارع ، فانكشفوا داخليا ، وتعروا خارجيا ، وبدا أنهم يغردون خارج ما يسميه منتقدوهم " السرب الوطني " وهو ما ينفيه الإخوان بالمطلق .
وإذا كان الحزب المغربي الحاكم الآن ، أحسن قراءة الظروف الموضوعية التي يعيشها المغرب ، كما سبق وفعلها حزب العدالة والتنمية التركي ، فاتخذ البراغماتية نهجا وحيدا لكسب قلوب الخصوم قبل الأنصار ، فقد فشل إخوان الأردن وذراعهم السياسي حزب جبهة العمل في إقناع الناس أنهم حزب لكل الناس ، حتى أن شعاراتهم وخطاباتهم باتت مملة ومكرورة وباهتة ، وآخرها مهرجانهم الخطابي الأخير في الكرك قبل أيام ، والذي جاء نصرة للأقصى ، حيث لم يقدم مراقب الإخوان الحالي همام سعيد أو مراقبهم السابق سالم الفلاحات أو قياداتهم سوى ذات الخطاب الذي " يدعو " إلى نصرة الأقصى ، وكفى الله المؤمنين القتال ، حتى إذا جمعت ما صدر عن مهرجان هذا العام ، وما صدر عنه في السنوات السابقة ، فإنك لا تكاد تجد أي اختلاف يذكر ، لا في الأشخاص الذين يخطبون ، ولا في الحضور الذين يستمعون .
لقد حصد حزب عبد الإله بن كيران ربع مقاعد البرلمان المغربي في انتخابات 2011 ، وحكم البلاد بطريقة سلسة بعد أن أشرك مختلف التيارات السياسية في الحكومة : إذ مهد لذلك بتفاهم واضح مع القصر الملكي ، خاصة بعد تعديل الدستور المغربي ، ومن هنا ، فإن هذا التفاهم الذي بني على أن مؤسسة القصر خط أحمر ، وأن الهم المغربي" الوطني " يغلب على أي هم آخر ، فإن هذا ، وهذا فقط ، هو الذي جعل هذا الحزب الذي نختلف معه في كثير من أدبياته يحكم بدون عراقيل ـ وهكذا فعل حزب العدالة والتنمية التركي الذي انشق عن حزب الفضيلة الإسلامي متخذا من الرأسمالية نهجا للحكم والتمدد ، وقد أحسن قراءة الدستور التركي وأدرك أن هناك خطوطا حمراء في المعادلة التركية الداخلية والخارجية ، فتمكن من الصمود خلال أكثر من عقد ونيف حاكما أوحد للبلاد ( لا زال حتى الآن رغم بعض التراجع في الإنتخابات الأخيرة التي ستتجدد قريبا ولربما يعود قويا بعد الأحداث الأخيرة وإعلانه الحرب على حزب العمال ) .. إذا كان الأمر كذلك ، فإن هذا الواقع لا ينطبق على إخوان مصر ولا إخوان الأردن الذين تكلسوا مع خطابات ملها الناس ، متجاوزين ما يطلق عليه علماء الشريعة ( فقه الواقع ) فنكصوا على الأعقاب لا هم طالوا عنب الشام ولا بلح اليمن .
ولكي لا نفصل تفصيلا لكون المقالة الصحفية تحكمها معايير محددة ، فإننا نكتفي بالقول : " إن إسلاميين يحكمون بعلمانية " باتت نظرية مقبولة الآن ، وها هي تركيا والمغرب مثالان ناصعان ، بغض النظر عن نتائج انتخابات البلدين المقبلة ( نتحدث عن تجارب وقعت ) وفي المقابل ، فإن إسلاميين يرغبون الحكم بتطرف ، كما حصل في مصر ويراد له أن يحصل في الأردن وهو هدف بعيد المنال ومستحيل ، فإن مصيرهم الفشل الذريع شعبيا وداخليا وخارجيا ، وها إن مراجعات تجري في داخل إخوان مصر ، وانشقاقا يقع داخل إخوان الأردن ، ليتمخض عن ذلك حقيقة واضحة : أن التطرف لا مكان له في هذا العصر البتة ، وإن الوسطية والإعتدال هي الطريق الوحيد للولوج إلى عالم الحكم والسياسة ، إلا أن الإخوان المسلمين ، عموما ، يريدون أن يقيموا الدين في " مالطا " .
د. فطين البداد