لماذا شارك إخوان الأردن في الإنتخابات الأخيرة ؟
لعل الأخوان المسلمين في الأردن أدركوا بأن مقاطعة الإنتخابات في الدورات السابقة لم تجلب لهم إلا الويل والثبور وعظائم الأمور والإنشقاقات والإستقالات وضربهم في شبه مقتل ، مما دفعهم إلى المشاركة في انتخابات مجلس النواب الثامن عشر مدركين ما لم يكونوا قد أدركوه رغم الرسائل التي كانت تصلهم من الدولة في أن سعيهم للإستيلاء على الحكم ، وتوظيفهم لأجواء الربيع العربي في محاولة تحقيق حلمهم هذا إنما هو الخط الأحمر الذي لن يسمح لهم بتجاوزه ، وسوف لن يجنوا إذا حلموا بذلك إلا الخسران المبين ، ومن هنا بدأت الدولة هجومها المعاكس مما حطم أسطورة قوة الجماعة وتماسكها .
غير أنه لا مجال إلا الإعتراف بأن حصول الإخوان في الإنتخابات الأخيرة على خمسة عشر مقعدا مع حلفائهم ، يعد مكسبا لهم بغض النظر عن تأثير مثل هذا العدد على مجلس من مئة وثلاثين عضوا ، هذا إذا استمر الحلفاء الخمسة من خارج الجماعة على ولائهم لها وارتباطهم بقرارها ومواقفها تحت القبة .
وإذا قرأنا خارطة الإنتخابات الأخيرة ونتائجها ، فسنجد بأن الإخوان الذين خاضوا الإنتخابات بعشرين قائمة حصلوا على عشر مقاعد ( بدون الحلفاء الخمسة ) مما يعني أنهم قد أخفقوا فعلا في هذه الجولة ، ولم يثبتوا وجودهم في المحافظات جراء انعدام الثقة فيهم كما يبدو ، مما يؤشر إلى وجود أزمة حقيقية ، لعلهم أدركوا خطورتها بعمق فخاضوا الإنتخابات فاتحين صفحة جديدة مع الدولة التي تنتظر مواقف وأفعالا وليس أقوالا من أجل إعادة الثقة بجماعة كانت تحتل مساحة جيدة من الثقة عبر عقود مضت .
وفي المقابل، فإن حزب " زمزم " فوجئ أنه لا قواعد شعبية له البتة ، حيث أخفقت قائمته اليتيمة وهوت مع الريح من أول تجربة ، ولم يكن حصاده لمقاعده الخمسة ليكون لولا خوضه الإنتخابات بقوائم أخرى ذات طبيعة عشائرية ، وهذا ، بالمحصلة ، يصب في صالح حزب جبهة العمل الإسلامي والإخوان بشكل عام .
إن وجود جبهة العمل بخمسة عشر نائبا مع حلفائها يعني أن البرلمان لن يكون هادئا كالذي سبقه ، وإن كان التسخين فيه بعد تجربة الإخوان المرة سيكون محسوبا هذه المرة ، وفي وقت لاحق ، ربما عام أو أكثر ، فإنه ليس مستبعدا أن ينتهج إخوان الأردن نفس أسلوب نهضة تونس ، فيفصلوا الدعوي عن السياسي ، وإن فعلوا ذلك فقد أفلحوا ، أما إذا ظلوا يندبون ويلطمون بسبب ما وقع لهم في مصر والأردن فسوف يتلاشون عن الخريطة تدريجيا .
إن أمام إخوان الأردن فرصة ذهبية للتغيير والتطوير والخروج من عباءة حسن البنا وسيد قطب والولوج إلى بوابة العالم المتمدن بفكر إسلامي مستنير يقبل الآخر ويتعاطى مع المجتمع بندية ، وليس على طريقة : أنا الوحيد في الجنة ، أما غيري ففي جهنم خالدون .!! .
د. فطين البداد