هدنة العيد وسلمية الثورة وبشار الأسد
صَدَقَ شوقي حين قال ذات قصيدة " مخطئ من ظن يوما ، أن للثعلب دينا " وصدق المثل الشعبي : “ مين جرّب المجرّب عقله مخرب "..
ولعلَّ البيت الشعري والمثل الشعبي أعلاه يطرح التساؤل التالي : كيف نصدق النظام السوري في قبوله للهدنة التي طرحها المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الابراهيمي بين قوات النظام و " العصابات الارهابية المسلحة " خلال فترة عيد الأضحى المبارك ؟ هذا النظام الذي بدأ رده الوحشي على ثورة الشعب السوري بشعار " الأسد أو نحرق البلد " و "الأسد أو لا أحد " وهو في كل ممارساته - منذ بدء الثورة السورية وحتى هذه اللحظة - يمشي على طريق تطبيق هذا الشعار الذي يعبر عن دمويته وإجرامه؟..
وكيف يقبل النظام السوري أساساً فكرة الهدنة مع العصابات المسلحة – على حد تعبيره – اذا كان يدعي الدفاع عن أرض سوريا وشعبها من هؤلاء " السفلة " بحسب وصفه ؟ ..
وهل الدفاع عن الوطن من الدخلاء والمجرمين والخارجين على سيادة هذا الوطن وأمنه وأمانه بحاجة إلى هدنة ؟ .وما معنى " الموافقة على الهدنة مع الاحتفاظ بحق الرد " ؟ ..
إن معنى الطرح السابق أن النظام ينوي الرد قبل الالتزام ، لأنه يخاف هذه الهدنة، فلو مرّ أول يوم على المظاهرات بخير، فسيفتح ذلك شهية السوريين للتظاهر بشكل مضطرد في أيام العيد التالية، وربما يخرج الأمر عن سيطرة النظام في النهاية.
لذلك ، لن يسمح الأسد بتمرير الهدنة مستعيناً في ذلك ببعض المغفلين ( المشبوهين ) ممن رفضوا الهدنة من جانب الثورة، والذين لم تأت عملياتهم يوماً إلا في صالح حسابات النظام ..
وكيف يأمن المجتمع الدولي النظام السوري بماضيه وأفعاله وممارساته التي تعكس دوماً خبث نواياه؟..
إن من يأمن هذا النظام على الهدنة، كمن يأمن ذئباً جائعاً على أولاده، إذ لا يمكن الوثوق بنظام مبني على الكذب والخديعة ، فلقد سجلت الثورة في أول أيام الهدنة 100 شهيد ، ومازال المجتمع الدولي يتعامل مع هذا النظام بالحلول السياسية ؟!!.
ماذا كان يتوقع العالم أن يسمع بعد إقرار الهدنة من جانب النظام ، هل توقع مثلا أخبارا على شاكلة : " وسط ذهول العالم أجمع، تمت الهدنة، و لم تسجل أية تجاوزات، واستمرت لآخر أيام العيد.. وتوقف حمام الدم السوري.. واستمرت الأعياد لأطفال سوريا .. دون أي خوف من التفجيرات أو تسجيل لحادثة موت أو حتى إصابة " ؟؟ ..
إن ما يريده بشار الأسد واضحٌ وضوح الشمس : إما أن يكون أو لا تكون سوريا ولا شعبها .. والآن ، وبعد أن فقد شرعيته ، ها هو يحرق البلد كما حدث في العاصمة دمشق في مزارع الصبار خلف حي المزة، وكما حدث الجمعة الفائتة في حي الأشرفية في حلب العاصمة الاقتصادية ...
إنها إنجازات الأسد في العيد للشعب السوري الشقيق : حريق ودمار وموت لا يعرف كبيراً ولا طفلاً صغيراً ذهب يلملم بقايا طفولته باحثاً عن أرجوحة العيد التي لا تطالها القذائف ولا الرصاص ولا رائحة الدم فوقع فريسة براءته وطفولته.
إنه بشار الأسد الذي أصدر عفواً عاماً عن كل التجاوزات والجرائم إلا فيما يتعلق بقضايا الإرهاب، فأفرج عن المجرمين والفاسدين : " شبيحة الغد " .. وأبقى في سجونه المعتمة سجناء الرأي والكلمة الذين أجبروا - تحت التعذيب - على الإمضاء على حملهم السلاح .
لكن ، وبرغم كل مظاهر العنف ، فقد عمّت أرجاء سوريا خلال اليومين الماضيين المظاهرات وعادت الهتافات والأغاني والدبكة والاهازيج واللافتات التي تدعو إلى وحدة الشعب السوري وسلمية ثورته.. وهذا دليل واضح على أن السوريين يتوقون إلى التعبير عن أنفسهم بهذه الطرق الجميلة، وأن من أجبرهم على حمل السلاح لم يستطع انتزاع جمالهم وسلامهم الداخلي الذي لا يلبث أن يظهر مجدداً، فمن قال : إن السلميّة انتهى زمنها ؟ ..
هذه هي الحقيقة : الثورة السورية بدأها شباب وشابات ذوو توجه مدني وينتمون لشتى أطياف الشعب السوري ، بدأوها سلمية وستبقى كذلك رغم وجود " الدخلاء " الذين أوجدهم النظام السوري نفسه .
الثورة السورية قدر وخيار السوريين الذي لا مفرّ منه إذا أرادوا أن يكون لهذه الثورة العظيمة هدف وقيمة ونهاية تستحق كل هذه التضحيات.