إعادة تكليف النسور .. رسالة ملكية في أكثر من اتجاه !
ربح رهان بعض القوى السياسية والنيابية على إعادة تكليف رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور بتشكيل حكومة جديدة ، حيث تلقى النسور كتاب التكليف السبت ، وسيبقى هو وطاقمه يديرون شؤون الدولة إلى حين تسمية الرئيس المكلف لوزرائه الجدد .
ولقد تكشف بأن المشاورات التي أجراها رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة مع ثماني كتل نيابية هي : التجمع ووطن والوعد الحر والمستقبل والوفاق والوسط الإسلامي والنهج الجديد والإتحاد الوطني بالإضافة إلى المستقلين ، أفضت إلى هذا الخيار ، حيث اختار نواب إعادة تسمية الرجل ، وإن خالف ذلك نواب آخرون .
أعتقد جازما ، بأن ما جرى مع رئيس الحكومة في جلسة مجلس النواب يوم الأحد الفائت صب في صالحه بدون أدنى شك ، فلقد رأينا نوابا يعارضون النسور اصطفوا معه بقوة ، وتبدى ذلك في استطلاع أجرته المدينة نيوز بالفيديو مع 30 نائبا كعينة محسوبة تمثل النواب الـ 149 ، وكانت نتيجة الإستطلاع مذهلة ، حيث دافع عن النسور ألد خصم لديه ممن لا نرغب بذكرهم لكي لا نكون طرفا ، وهو ما يعد انقلابا في مزاج النواب تم تسجيله بالفعل ، خاصة وأن الرئيس لم يسمح له بإكمال رده على تساؤلاتهم ، وسط اتهامات له بالفساد ، مما أثار أسفه وتحديه بأن يجد عليه أي فرد في الشعب الأردني مقدار " طابعٍ " فسادا أو مالا حراما ، كما قال ، عبر سني خدمته العامة لعقود طويلة ، وجرى بعدها ما جرى من شد وجذب ومحاولة " سحب سلاح " كانت حديث وسائل الإعلام المحلية والعالمية كأول حادثة من نوعها تحت قبة البرلمان الأردني .
لا أقول بأن مشاورات الطراونة وهذه الحادثة هي التي جعلته خيار الملك للمرحلة القادمة ، بل إن التصدي للملفات الصعبة ، وخاصة الإقتصادي منها بغض النظر عن استساغتها من عدمه ، جعلته رجل الدولة " القوي " الذي لا يبحث عن شعبية ، بمقدار ما يبحث عن حلول ، ولقد قالها صراحة للنواب في معرض رده غير المكتمل يوم ألأربعاء ، وخيرهم بين أن يوافقوا على إجراءاته وخططه المالية أو أن ينتظروا عجزا بمليار ونصف المليار في موازنة العام القادم ، إلا أن هذا الطرح لم يقنع كثيرين منهم ، وأقنع آخرين ، وتمثلت قوته أيضا في ثناء الملك عليه في كتاب التكليف الأخير بقوله : " أبعث إليك بتحية ملؤها التقدير لجهودك الوطنية الموصولة والاعتزاز بسيرتك المهنية الرائدة، والتي كانت على الدوام موضع تقدير واحترام " وهو ثناء ما بعده ثناء ، خاصة وأن الإشادة الملكية بالأشخاص تكون في العادة خلال قبول الإستقالات ، وليس في كتب التكليف .
ولمناسبة الحديث عن الموازنة ، فإنه لا يفوتني أن أسجل جسامة الموقف " المالي " للموازنة ، و" الإقتصادي " للمملكة بشكل عام ، وذلك من خلال تذكيري رئيس الحكومة المكلف ، والنواب الأفاضل ، بأن موازنة 2013 جاءت بقانون مؤقت ، حيث صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على الموازنة في التاسع عشر من كانون ثاني الماضي ، ونحن الآن في الثلث الأوسط من آذار ، وبأن الحكومة ، وقبل أن تباشر الإنفاق وإقرار الموازنة في مجلس الوزراء ، لجأت إلى المحكمة الدستورية التي أقرت إصدار الموازنة بقانون مؤقت ، وهو أمر ينبغي التنبيه إليه للتذكير بأن كل قرش ينفق من الموازنة العامة لسنة 2013 لم يمر على مجلس الأمة ( الأعيان والنواب ) وهو أمر ينبغي فهمه ليعلم النواب الأفاضل حجم الضغط الذي يعانيه الأردن ، حيث لو تم الإنتظار إلى حين موافقة مجلس الأمة على الموازنة ، لتطلب الأمر شهورا طويلة ، ولتعطلت مصالح البلاد والعباد ، مع ما للقانون المؤقت من سلبيات ومع ما عليه من مآخذ قد يبددها نزاهة الرئيس المكلف ، وحسن إدارة الملفات الصعبة .
إن إعادة تكليف النسور بقيادة حكومة جديدة يبعث برسائل ملكية كثيرة لكل المشككين بالعملية الإصلاحية وأبعادها السياسية والإجتماعية والإقتصادية ، وبحزم القيادة وعزمها على تخطي الصعاب التي يواجهها الأردن ، ويؤكد مرة أخرى بأن نهج الإصلاح لا يعني أبدا دفن الرؤوس في الرمال ، بل بمواجهة " الحقائق " الصعبة ، وأي حقيقة أصعب من كون الاردن مدينا بـ 23 مليار دولار ؟؟ .
د.فطين البداد