توزير النواب يعني " حربا أهلية برلمانية " !
عما قليل ، يعلن رئيس الوزراء المكلف الدكتور عبد الله النسور تشكيلة حكومته الثانية ، وستجد التوليفة - كالعادة - مؤيدين ومعارضين ، وناقدين ومنتقدين : لماذا أبقى الرئيس على فلان ، ولماذا سمى " س " ، ولم يسم " ص " ، وهل يجوز أن يكون وزير الداخلية " فلان " ، بل هل يجوز أن يكون وزير المالية " علان " إلى آخر ذلك من تعليقات دأب عليها الأردنيون في مطلع تشكيل أي حكومة جديدة .
وأيا كان الأمر ، فإن كل ما ذكر آنفا بالإمكان السيطرة عليه في وقت ما ، سواء من خلال جلسات حوارية ثنائية مع الكتل أو مع النواب منفردين ، أو من خلال ما أطلق عليه أحد رؤساء الحكومات السابقين " الإطفائية " ويقصد بذلك وزير الدولة للشؤون البرلمانية الذي يكون دائم الحضور بين النواب وبابه مشرع لهم في أي وقت وأي حين ، وهو الذي ينقل في العادة مسائل النواب المستجدة أو الملحة إلى الرئيس فيتم الإحاطة بها قبل تفاقمها واشتعالها ، مع أن دور هذه الحقيبة غير مشهور أو معروف لكثيرين ممن يستخفون بها .
غير أن الأهم من هذه الأسئلة التي باتت " روتينية " هو أن يدخل النواب على خط هذه التساؤلات ، من مثل : لماذا لم يوزر الرئيس أي نائب ، أو لماذا اختار من الكتلة البرلمانية الأولى ولم يختر من الثانية ، أو الرابعة أو الثامنة ، وإذا جرى الأمر على هذا النسق ، فإن الأمر سيكون خطيرا ، وستنقلب علاقات النواب الذين كانوا يحلمون بـ " الوزرنة " مع الحكومة ومع زملائهم إلى جحيم لا يطاق ينتج عنه تعطيل مشاريع قوانين ، أو إفقاد الجلسات النصاب ، أو غير ذلك من أساليب المماحكة البرلمانية المعروفة .
إنني أنبه دولة الرئيس النسور أن الفوز بالثقة النيابية أو الموافقة على " ملحق الموازنة " ( أعلم أن هناك ملحقا ) لا يعني على الإطلاق توزير النواب ، فهذه قضية القضايا ، ويعتبر كل ما ذكرناه " لمما " يمكن تجاوزه إن أحسن تدبير الأمر ، وتعاطى مع القضايا الشائكة بحكمته المعهودة ، أما إن اختار الرئيس توزير النواب فإنني أكاد أرى " حربا أهلية برلمانية " تدور رحاها تحت القبة وخارجها ، بسبب استقراب كتل واستبعاد أخرى ، وهي ستكون بعد رفع الأسعار لمرتين ثالثة الأثافي في " قِدر " الحكومة التي تحلم أن تقضي أربع سنوات هي عمر المجلس ،ولا أعتقدها ستصمد شهورا وليس سنوات ، لا هي ولا المجلس أيضا ، وإنني أدعو دولة الرئيس إلى قراءة الورقة النقاشية الملكية الثالثة ، والتي قرأتُ فيها ضمنا وليس نصا عدم وجود رغبة في توزير النواب في المرحلة الحالية .
يقول الملك في ورقته بخصوص هذه الجزئية عن دور مجلس النواب في المرحلة الحالية :
إن دوره في المرحلة الراهنة يتمثل " في تشريع قوانين بشكل عام وإعطاء الأولوية لقوانين ذات أولوية للمواطنين، يصب تنفيذها في خدمة مصالح وطنية عليا، وممارسة دوره في الرقابة على الحكومة ومساءلتها على ما تتخذه من قرارات، وكذلك مراقبة وتقييم أدائه من تلقاء نفسه، ليتسنى له المحافظة على هيبته وقوته " .
إذن : فإن رأس الدولة يرى بأن على المجلس أن يكون دوره رقابيا وتشريعيا ، وهذا لا يتأتى بتوزير النواب ، بل إن أدل الدلالات على التوجه الملكي في هذه المرحلة ما ورد في نهاية الفقرة حين قال إن على المجلس : " مراقبة وتقييم أدائه من تلقاء نفسه، ليتسنى له المحافظة على هيبته وقوته " .. فهل هناك أوضح من كلمة " من تلقاء نفسه " الواردة في الورقة النقاشية الثالثة .
أتمنى لبلدنا النجاح والفلاح ، وللرئيس السداد ، وللمجلس حسن الأداء ، فالبلد أمانة في أعناقنا أيها الناس ، وأرجو أن أكون نايت وأسمعت من هم أحياء يُرزقون .
د.فطين البداد