أول قراءة بالأرقام لما يدفعه الأردنيون على فاتورة الكهرباء
عندما تصل الأردنيين فاتورة الكهرباء ، يطالعون أرقامها النهائية ، كما تفعل كافة شعوب الأرض ، لأن المهم لديهم : ان يعرفوا المبالغ المطلوبة منهم ، أما التفاصيل فهي محور حديثي هنا .
فاتورة الكهرباء التي تصل المواطنين شهريا تحوي - ضمن ما تحوي - أربع ضرائب ، لا بد من الوقوف عليها باختصار ، لأقرب للقراء الأعزاء ما بعُد عنهم ، ولأكشف ما خفي عليهم ، لأن هذا الزائر الشهري " ثقيل الدم عند الأغلبية الفقيرة " لا يحوي كمية استهلاك الكهرباء فقط ، بل أمورا أخرى يفترض بالجميع معرفتها والإحاطة بها :
رسم التلفزيون
عشرات الموظفين في التلفزيون الحكومي في الأردن يقبضون رواتبهم وهم جلوس في منازلهم ، بسبب الحجم المتضخم للموظفين قياسا بالمطلوب ، وهذا يفسر استمرار فرض ضرائب على الأردنيين باسم تلفزيون بلدهم الرسمي .
بداية ، أعتبر الزميل رمضان الرواشدة ، مكسبا مهما لهذا الجهاز الإعلامي الوطني ، لما يتمتع به من خبرة تجلت في وكالة " بترا " التي حصدت في عهده عدة جوائز ، ولكن الحديث عن التلفزيون يتجاوز الرواشدة ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوزير محمد المومني ، بل ويتجاوز قدرة رئيس الحكومة نفسه ، ذلك أن أيا منهم لا يجرؤ على اتخاذ قرار بإعادة هيكلة تشمل العاملين والإدارات والمتعاونين من داخل المؤسسة ومن خارجها ، انطلاقا من قاعدة معمول بها كثيرا في الأردن وهي : " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق " فما بالك وصاحب الرقم الوظيفي في التلفزيون ، وأعني بهم أولئك الذين يقبضون ولا يعملون ، تتجاوز أعدادهم المئات ، شأنهم شأن كثيرين في وزارات وبلديات ومؤسسات أخرى ، ويكفي أن أضرب مثالا وقع معي شخصيا مصادفة ، حيث شهدت نزول 5 موظفين من سيارة بلدية قريبة من العاصمة ، وعندما سألت قيل لي : إنهم نزلوا لسقاية شجرة .
ولأنني هنا لست في معرض تناول المادة الإخبارية في التلفزيون الأردني الرسمي والذي لا يشاهده الأردنيون إلا لماما ، أو لمناقشة كل ما يحيط بالمؤسسة الإعلامية من وقائع وحقائق وأرقام لا تجوز ولا تصح في زمن الحاجة والفقر وعجز الموازنة وشروط المانحين ، فسأكتفي بما يحفظه الأردنيون عن ظهر قلب وهو " رسم التلفزيون " الذي أدفعه أنا وأنت ونحن وأولئك شهريا ، بحيث يصلنا مطرزا ومعززا مكرما مع فاتورة الكهرباء .
ما هو رسم التلفزيون هذا الذي لا زلنا ندفعه سواء أحوينا تلفزيونات في مكاتبنا أو بيوتنا أم لا ؟؟ .
بعد بحث وتحر عن قصة هذا الدينار ، تبين لي : أنه يرحل شهريا إلى حساب الخزينة العامة " وزارة المالية " .
حسنا ، في أي حساب يودع إذن ، وكيف يتم الإنفاق منه ؟؟ ، والأهم : أليس ممنوعا فرض أي ضرائب إلا بقانون ، أم أن تغيير المسمى : من ضريبة تلفزيون ، إلى رسوم تلفزيون مخرج " ذكي " من مصيدة المنع مع أن مدلوليهما القانوني واحد.
التلفزيون ، وبموجب وثائق حصلت عليها ، يقبض من الحكومة سنويا للنفقات الجارية وحدها مبلغ 14 مليون دينار إلا نصف مليون تقريبا ، ويقبض للنفقات الرأسمالية سنويا مبلغ 8 ملايين دينار إلا 100 ألف ، فأين تذهب هذه الأموال سوى للرواتب والتشغيل ؟؟ .
ولقد علمت من مصدر موثوق : أن وزارة المالية قبضت في العام 2012 مبلغ 11 مليون دينار ، وهي قيمة المبالغ التي تقاضتها الدولة من المواطنين تحت مسمى : " رسم التفزيون " ، فهل يجوز لوزارة المالية تشليح المواطنين سنويا هذا المبلغ ، خاصة وأن الأردنيين يدفعون للتلفزيون موازنته السنوية وهي 22 مليونا ؟؟ .
أجرة العداد
وإذا تأملت فاتورة الكهرباء ، فستصعق أيضا عدما تعلم بانك تدفع شهريا ضريبة يسمونها " أجرة عداد " .. أي أن الأردنيين ليس مطلوبا منهم فقط رسوم تلفزيون شهريا ، وقيمتها دينار على كل فاتورة ، بل عليهم أن يدفعوا لشركة الكهرباء كل شهر ، أجرة عداد الكهرباء ، مع أن هذه العدادات مدفوع سعرها مسبقا من جيوب الناس ( إن حسبناها صح ) .. واللافت أنك لا تعرف أيضا أين تذهب هذه الضريبة أو " الأجرة " كما يحبون تسميتها ، وهل يجوز لشركات الكهرباء العاملة ، أن تفعل ذلك وتحت أي قانون ، علما بأن شركات الكهرباء في البلد هي عدة شركات منها :
1 - : شركة الكهرباء الأردنية .
2 : شركة كهرباء محافظة إربد .
3 - : شركة توزيع الكهرباء .
وقد وصل حجم المبالغ المحصلة في العام 2012 تحت مسمى " أجرة عداد " حوالي 3 ملايين دينار ، فأين تذهب هذه الملايين الثلاثة ؟ . .
فلس الريف
لفلس الريف هذا قصة مضحكة ، فقد تم فرضه من أجل " تنوير " الأرياف الأردنية بالكهرباء ، خاصة وأن تعميم التيار الكهربائي على مختلف أنحاء الأردن هو مطلب سام وواجب على الحكومات كافة ، ولا اعتراض عليه البتة ، إلا أن سبب وصفنا له بـ " المضحك " يكمن في شراء شركات الكهرباء هذا الفلس مع " البيعة " : أي أن الشركات التي اشترت التوزيع اشترطت قبل استكمال إجراءات البيع أن يكون فلس الريف من حصتها ، وأن لا يتم إلغاؤه ، وهنا وافقت إحدى الحكومات على ذلك وبيع فلس الريف المذكور مع الجمل بما حمل ، ولكن الحكومة التي سبلت عينيها أمام الشركة وإغرائها ، فتحت عينيها على المواطن - كالعادة - وفرضت فلس ريف آخر ، هو الذي تتقاضاه الآن ، أما الفلس القديم فهو في علم " الجيب " الذي اخترعته بعض الشركات العاملة .
وكما قلنا : فإن فلس الريف تم ابتداعه لإنارة الأرياف الأردنية ، ولقد علمت من أحد المسؤولين أنه يتم تحويله سنويا إلى وزارة الطاقة ، وهذا شيئ طيب ، ولكنه مريب كما سترون :
لفلس الريف صندوق خصص للغاية التي اقتطعت الضريبة المذكورة من أجلها ، ولكن للأسف ، تقوم الحكومات بالإنفاق من صندوق فلس الريف على أعمال لا علاقة للريف بها من قريب ولا بعيد ، وفي طرق بعيدة عن الطاقة أحيانا ، ويكفي أن يعلم قارئي الكريم : ان كثيرا من الحكومات لجأت إلى صندوق فلس الريف لتغطية مكافآت وإكراميات وربما حفلات ما انزل الله بها من سلطان ، وهو أمر أثارته جهات رقابية رسمية كما علمت ، بينما ظل المواطن يدفع بدون أن يعرف أين يذهب هذا الفلس ..
ولكي لا يستخف البعض في هذا الفلس ، فإني طلبت من أحد الأصدقاء تزيودي بقائمة " الفلوس " الريفية ففعل ، ليتبين لي أن صندوق فلس الريف حصد من المواطنين عبر فواتير الكهرباء في عام 2012 مبلغ 8 ملايين دينار ، فأين تذهب هذه الثمانية ملايين أيضا ؟؟ .
رسم النفايات
أما ضريبة النفايات التي تتضمنها فاتورة الكهرباء فلها قصة مشابهة ، و يكفي القراء علما أنها تحول إلى وزارة البلديات ، وبحسب المواطن أن يرمي بطرف عينه على شوارع البلديات خارج العاصمة ليعرف كيف يتم التعامل مع المبالغ التي يتم جمعها من ضريبة النفايات هذه ، وهل تقوم الوزارة بتحويلها إلى البلديات أم " تبلعها " فيصيبها ما أصاب فلس الريف، ويتم الإنفاق منها على قضايا أخرى ، مع أنه من الأجدى أن يدفع دينار النفايات للبلدية وليس للوزارة ، بحيث يحاسب المواطنون بلدياتهم ، كل حسب تقصيرها ، أم أن للأمر حسبة أخرى لا نعلمها ؟؟ .
ولقد علمت بأن حجم إيرادات الوزارة من ضريبة النفايات الشهرية بلغ في العام 2012 مبلغ 23 مليون دينار .
إذن : نحن أمام أربع ضرائب تفرض على المواطنين شهريا وتدرج مع فاتورة الكهرباء وهي : رسم التلفزيون ، أجرة العداد ، فلس الريف ورسم النفايات ؟؟ فكم من ضريبة ترتدي " طاقية الإخفاء " يدفعها الأردنيون ، من ذلك الصنف الذي لا يعلمه إلا الله ، والراسخون في علم الضرائب ..
و" العجائب " ! .
د.فطين البداد