ماذا يفعل ناصر جودة والملحقون الدبلوماسيون وسفراء الأردن في الخارج ؟
لا أعتقد أن دور المعهد الدبلوماسي الأردني ينحصر في إعداد المرشحين للمواقع الدبلوماسية والملحقيات فقط ، بل لا بد أن يكون له دور مهم في " تنشئة " المتدربين على كيفية التعامل ليس مع " طريقة الجلوس " وكيفية الوقوف فقط ، وقواعد الإتيكيت عموما ، بل كيف يحضرون استثمارات إلى الأردن .
في دول العالم التي فاقت إنجازاتها كل التوقعات ، يعتبر الدبلوماسي أهم من الوزير ، أي وزير ، شأن أمين عام الوزارة لدينا ، الذي هو " كل الوزارة " بينما لا يفعل الوزير شيئا في الأغلب( أقول : في الأغلب ) .. ويتقاطع عمل الدبلوماسي مع المركز في أكثر من طريق ، بل إن العالم الذي هو فعلا قرية صغيرة يدار بالدبلوماسية أولا ، قبل أي شيء آخر .
يعرف الأردنيون أن جلالة الملك هو قائد الدبلوماسية الحقيقي ، وأن السيد ناصر جودة ، النشيط جدا إذا أردنا إنصاف الرجل ، ينفذ معطيات ، ويتقيد بـأوامر وأحيانا تلميحات ، ولكن الدستور الأردني حدد أنه وحتى أوامر الملك لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم ، وبالتالي ، فإن انشغالات الملك الدائمة ، كرأس للدولة ، وكمرجع للسلطات الثلاث وميزان لها جميعا ، وكمواطن من المواطنين كما رأيناه في أحد مطاعم عمان مع عائلته ، وكرجل دفاع مدني كما رأيناه في العاصفة الثلجية ، وكرجل إسعاف ورجل تموين حيث وزع المساعدات بيده على المنازل كما رأينا في عجلون وغيرها ، وكجندي وشرطي وغير ذلك .. أعيد : إن انشغالاته لا تسمح له بالوقوف عند الأمور البديهية التي تتطلب أن تقوم الحكومات وأدواتها التنفيذية بها وبصمت كإحدى واجباتها الدستورية ، ويشفع للسيد ناصر جودة أنه وزير خارجية بلد ليس كأي بلد في موقعه وتركيبته الديمغرافية " السياسية " وأهميته التي لا غنى عنها لأمن الإقليم والعالم ، بل هو ورقة صعبة لا يمكن تجاوزها في المعادلات الإقليمية والدولية إن أحسن الأردن استغلال كل ذلك ، وفتح عينيه جيدا للعب الدور الذي يليق به وبتاريخه وبشعبه .
إذا كانت نفقات الشؤون الخارجية في موازنة وزارة الخارجية تصل إلى 85 % من إجمالي موازنتها للعام 2014 والبالغة حوالي 53 مليون دينار ، على حد علمي ، فإن من العجب العجاب أن تكون موازنة المعهد الدبلوماسي التابع للوزارة لا تتجاوز 1 % فقط من إجمالي الموازنة ، بل إنني علمت بأن المعهد لم يخصص له في العام 2013 أي قرش ، وظل ينفق على نفسه من مبالغ مترصدة سابقا ، واللافت أن ما خصص له في موازنة العام القادم هو فقط 500 ألف دينار ، فكيف سيكون عليه أداء دبلوماسييه الذين يتم اختيارهم للعمل في السفارات والملحقيات ، إذا استبعدنا - جدلا - فرضية التعيين من خارج السلك الذي علمت بأن التعيين من داخله لا يتم إلا لماما ، مع أن النظام يفرض ذلك ؟ .
إن التعامل مع الخارج – استثماريا - من بوابة المنفعة المتبادلة حتمية تخضع لها كل دول العالم ، الفقيرة والغنية ، إلا أن استفادة الأردن من الإستثمار الخارجي لا يكاد يذكر ، مع أن لدينا ألف باب وباب للولوج إلى هذه المنفعة ، فكيف يكون ذلك والمفاتيح " الصدئة " التي نحاول بها فتح المغلق ، وغلق المفتوح ليست فقط ضائعة ، بل غير متوفرة بالأساس ، مع أن " خراطتها " لا تتطلب سوى " آلة " تباع في " سقف السيل " إن استصعبنا استيرادها أو إعادة صناعتها .
في دول العالم المتقدم ، ترتبط وزارة المالية بالإستثمار ارتباطا مباشرا ، وترتبط المؤسسات التابعة لها بوزارة الخارجية ارتباطا وثيقا ، وأغلب الدول تلك لها مديريات للإستثمار الخارجي ، تكون مهمتها تسويق البلد وجلب الإستثمارات ، ويخصص لها موازنات تكفيها لتقوم بعملها ، فكيف نصل إلى هذا المستوى بينما موازنة مؤسسة تشجيع الإستثمار الأردنية للعام 2014 لا تتعدى 2 مليون دينار، إن كان معولا عليها أن تأتي باستثمارات تصل مئات الملايين وهو ما يفترض بها أن تفعله ، فنجدها في نهاية المطاف تنفق المليونين ، وتورد إلى صندوقها مليونين ، أي أنها مؤسسة لا تضر ولا تنفع ، فهل هكذا تجلب استثمارات الدول ؟ .
لدينا في الأردن مؤسسة تشجيع الإستثمار ، ومناطق تنموية ، ولدينا في المقابل معهد دبلوماسي يعد موظفين كيف يصافحون وكيف يبتسمون ، أما أن يلجوا إلى الأماكن المغلقة ويأتوا بالمفيد فهذا من سابع المستحيلات ، ويفترض في هذا المعهد أن يكون مكملا اقتصاديا للمؤسسة ، ولكن : لا مؤسسة تشجيع الإستثمار قادرة على جلب الإستثمار الحقيقي والمقنع ، ولا المعهد الدبلوماسي ووزارة الخارجية يعينان هذه المؤسسة على تخريج كفاءات اقتصادية تكون سفيرة لنا في كل دول العالم ، ويكون لها اليد الطولى في فتح أبواب الأردن للمستثمرين العرب والأجانب، وأنى لها فعل ذلك والمعايير التي تعتمد في تسمية الأشخاص الذين سيعملون كملاحق ثقافية أو اقتصادية في سفارات أردنية بالخارج لا تتزحزح عن معايير التعيين في الداخل ، والأردنيون يحفظونها عن ظهر قلب .
ولأن خريجي المعهد لا يعينون ، وإذا عينوا فلأنهم يحسنون الإبتسام فقط و" ظهورهم " صلبة وثقيلة ، فإنه بات من المحتم إجابة سؤال : كيف نسوق الأردن ، وهل بالإمكان ذلك بدون تكاتف كل الجهات المعنية ، ودخول وزارة الخارجية والسفراء والدبلوماسيين على خط الإستثمار ؟؟ .
هل الملحق الدبلوماسي مجرد شخص يحسن كيفية الجلوس والأكل على الطاولات ، أم هو أساس الإستثمار وعينه التي لا تنام ، وأذنه التي تصيخ السمع على كل شاردة وواردة فيها منفعة للأردن ، وشعب الأردن ، ومستقبل الأردن ومديونية الأردن ؟؟ .
سألت رئيس وزراء سابقا عن المعيار الذي جعل سفيرا أردنيا يحتل موقع وزير الخارجية في يوم ما ، فكانت الإجابة مفحمة :
قال لي الرئيس المذكور : نعم ، إن فلانا كان سفيرا ، ولكنه تمكن من إحضار منح للأردن بما يصل إلى 100 مليون دولار من البلد التي كان يمثلنا فيها ، ومن أجل ذلك ، كافأه رأس الدولة فأصبح وزيرا للخارجية .
لقد أحضر وزير الخارجية المذكور 100 مليون كمنحة ، فماذا يفعل الآن سفراء الأردن في دول العالم ؟ ..
لا نريد منحا قد يكون الوصول إليها صعبا في ظل ظروف العالم في هذه الحقبة ، ولكن : نريد استثمارات وأعمالا وحركة ، نريد دبلوماسيين حقيقيين وليس إداريين ينحصر عملهم في تشليح الأردنيين كلما زاروا سفارات بلدهم ، سواء لتجديد معاملة ، أو للحصول على " ختم "رسمي .
كل التحية لوزير الخارجية الحالي السيد ناصر جودة ، الذي أعلم أن حجم عمله والمهمات التي يطلع بها كبيرة وثقيلة ، ولكن : أطلب منه أن يعيد السياسات ، و" يقلب البرمجة " ويضع الخطط التنسيقية مع باقي الوزارات والجهات ذات العلاقة ، فلعل وعسى أن تكون وزارة الخارجية هي مفتاح الإستثمار وبوابته الجميلة ، والجاذبة لرؤوس الأموال من مختلف القارات .
د . فطين البداد