ماذا يعني مد أنبوب نفط من البصرة إلى العقبة ؟
لم تكد تمضي أيام معدودات على عودة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور من بغداد التي زارها رسميا مع وفد سياسي واقتصادي رفيع شمل وزراء الخارجية والداخلية والتجارة وغيرهم ، حتى فوجئ المراقبون بتهديد نسبته قناة عراقية لمصدر حكومي : أن العراق سيقطع مساعداته النفطية عن الأردن ، وسيلغي خط النفط المزمع إقامته بين البلدين ، والسبب هو أن قنوات فضائية عراقية تبث من الأردن تحرض على الفتنة الداخلية في العراق وفق المصدر نفسه ، ولم ينف الخبر الذي تناقلته مختلف وسائل الإعلام أي مصدر حكومي عراقي ، مما يعني أن هناك رضى عن الخبر وهو تلميح وليس تصريحا ، والتلميح لدى السياسيين أبلغ أحيانا .
وتقول مصادر الأردن والعراق : إن أنبوبا للنفط كلفته 17 مليار دولار سيبدأ العراق بطرح عطائه خلال شهر ، على أن تتم المباشرة ببنائه خلال الربيع القادم ، وهو أنبوب يصل البصرة بميناء العقبة بطول 1700 كيلو متر ، وسيدخل إلى الأردن يوميا ما بين خمسة إلى عشرة ملايين دولار كضريبة مرور ، وسيوفر خلال مراحل بنائه ما يقرب من 3000 فرصة عمل أردنية ، ولن يكلف إنشاؤه الأردن أي قرش ، إذ سيتكفل العراق بكامل نفقاته حتى داخل الحدود الأردنية ،ومن المتوقع أن يستكمل خلال العام 2017 ، ويكون كله ملكا للحكومة العراقية بما فيه الجزء الذي في الأردن ويصل إلى 690 كيلو مترا ، على أن يملك الأردن الجزء الذي يمر عبر أراضيه بعد 20 عاما .
وتقول معطيات مؤكدة حصلت عليها : أن الأردن يستورد جزءا من احتياجاته النفطية من كركوك ، بواسطة " شركة تسويق النفط العراقية بموجب اتفاقية مبرمة مع مصفاة البترول الأردنية استندت على مذكرة التفاهم الموقعة بين الأردن والعراق بهذا الخصوص ، حيث يتم حاليا استيراد 10000 برميل يوميا ، وتقول مصادر المصفاة التي تسنى لي الإطلاع على أرقامها : أن سعر شراء نفط كركوك يساوي سعر شراء نفط برنت ، ولكن يخصم من سعر كل برميل مبلغ 18 دولارا ، وهذا الخصم يشمل أجرة النقل البري من مرافق التحميل في " بيجي " إلى مصفاة البترول الأردنية ، بالإضافة إلى كلفة " فرق الجودة " للمشتقات النفطية الخفيفة .
غير أنني وعلى الجانب الآخر ، اطلعت على معلومات تنشر لأول مرة تقول : - أقتبس حرفيا من كتاب رسمي صادر عن المصفاة وموجه لرئيس الحكومة ويحمل الرقم 6 / 3 / 5 / 1658 / 2013 - : إن الأردن يستورد النفط من السعودية بسعر السوق ، ويصل حجم مستوردات الأردن من السعودية إلى 90 % من الحجم الكلي ، إذ تقوم شركة مصفاة البترول ومنذ انتهاء امتيازها في العام 2008 باستيراد النفط الخام من صنف " عربي خفيف " من شركة أرامكو السعودية ، وفقا لاتفاقية يتم تجديدها سنويا ، وحاليا يتم استيراد ما يصل لشحنتين من النفط الخام بواسطة ناقلة نفط بحمولة حوالي " 1 مليون برميل " ويتم الإستيراد على أسس تجارية وبدون أية أسعار تفضيلية ، ومعادلة شراء هذا النفط من ميناء ينبع السعودي تتم على النحو التالي :
سعر الشراء " العربي الخفيف " يساوي معدل سعر نفط عمان ونفط دبي تضاف إليه أجرة نقل بالأنبوب من المنطقة الشرقية في السعودية إلى ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر ، وتبلغ هذه الأجرة " 25 " سنتا للبرميل .
أي أن النفط الوارد من السعودية يشتريه الأردن بسعر السوق مضافا إليه ما ذكرنا .
وإنه لمن العجب أن يتم الإعلان عن نية طرح عطاء مد أنبوب البصرة - العقبة خلال شهر من قبل الحكومة العراقية وهو ما كشفه رئيس الحكومة الدكتور النسور دون أن يطلع الأردنيين ، ولا نوابهم حتى ، على الإتفاقية المبرمة بين البلدين ، ومضى الأمر منذ توقيع اتفاقية الإطار في نيسان من العام الفائت لغاية الآن في سرية تامة .
كل المؤشرات والمعطيات تقول : إن الأردن سيتخلص من فاتورته النفطية الباهظة حال البدء بتشغيل هذا الخط ، بحيث سيوفر الأردن ما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار، وهي كلفته النفطية السنوية ، ولكن مشروعا بهذه الضخامة ، وبهذا " الإغراء " يجب أن يكون واضحا في كل ما يتعلق به ، حتى في ظل العواصف السياسية التي تجتاح المنطقة ، بل وفي ظل العلاقات الأردنية العراقية التي قد تتقاطع في أكثر من محور ، وقد تختلف في محاور أخرى ، وهنا يكمن بيت القصيد ، ومكمن الخطر .
فبالأمس القريب ، قطعت السعودية خط ما يعرف بـ " التابلاين " بسبب عاصفة سياسية ضربت علاقات الدولتين في العام 1990 ، وهذا الخط الشهير كان يبلغ قطره ( 20 ) إنشا ، وطوله 1214 كيلو مترا وكان يصل حقول النفط السعودية على الخليج العربي مع الموانئ اللبنانية في البحر المتوسط ، وفي ذلك العام ، تم قطع الخط عن طريق تفريغه من النفط الخام ، وتعبئته بالنيتروجين ، كما قامت السعودية بوقف عمل نظام ما يعرف بـ " الحماية المهبطية " التي تستخدم للحد من تآكل الأنابيب المدفونة تحت الأرض ، مما جعل الجزء الواقع داخل الأردن غير صالح للإستخدام ، وفي ما بعد تعرضت أطوال كثيرة منه للسرقة وبات أثرا بعد عين .
هل أخذنا بالإعتبار أن غضبة عراقية شبيهة بالغضبة التي استهللت بها مقالتي أعلاه ، أو بغضبة السعوديين ، قد تجعلنا بين ليلة وضحاها بدون 3 آلاف فرصة عمل لمهندسين وغيره ، وبدون 3 مليارات سنويا نكون قد تعودنا على إدراجها في الموازنة العامة للدولة ، وبدون الخمسة أو العشرة ملايين التي سنجنيها يوميا كأجرة مرور للنفط عبر بلادنا ؟ .
ولأن الشيء يذكر بشبهه ، أذكّر هنا ، بحوادث التفجير التي طالت خط أنبوب الغاز المصري ، حيث إن الإتفاقية الموقعة بين الأردن ومصر ، وضعت الكوارث الطبيعية " شرطا مقبولا " لتوقف ضخ الغاز للأردن ، فقد وقع الأردن اتفاقية مع المصريين لتزويده بـ 250 مليون متر مكعب من الغاز يومبا ، لينخفض في العام 2013 إلى حوالي 80 مليون متر كما علمت من مصدرموثوق ، ولم يذكر لنا أي مستشار قانوني حتى الآن : هل تفجير الأنبوب كارثة طبيعية ، أم بشرية يا ترى ، ولماذا لم يتم تعويضنا عما خسرناه طالما أن الإتفاقية تلزم الجانب المصري أن يكشف للأردن كافة تفاصيل أية حوادث يتعرض لها الخط ، وملابساتها ونتائج التحقيقات فيها ، وتلزمه - كذلك - باستمرار ضخ الغاز أو تحمل تبعات توقفه ؟؟ .
لا أريد أن أكون متشائما ، ولكني أطلب أن يرى كل الناس الإتفاقية المبرمة مع الأشقاء العراقيين ، وأطلب نشرها فورا ، لكي لا يصيبنا ما أصابنا في خط التابلاين ، وخط الغاز المصري الذي عوضت الحكومة انقطاعه برفع أسعار المشتقات النفطية على المواطنين ، وآخرها كان ليلة رأس السنة لعام 2014 .
أعود وأذكر : إن الخط المار عبر الأردن بطول 690 كيلو مترا سيكون ملكا للحكومة العراقية لمدة 20 سنة ، بما يعنيه هذا " التملك " من تبعات وحقوق عراقية داخل الأرض الأردنية ، مرئية وغير مرئية ، وإن لم يعجبنا ذلك ، فإن بإمكان العراقيين حينها " جرجرتنا " إلى المحاكم الدولية .
للعلم فقط ، فإن مسؤولا نفطيا كبيرا قال لي : إن سبب غض الطرف عن استخراج النفط من الصخور الزيتية الأردنية طوال الحقبة الماضية يعود لكون الأردن - حينها - كان مكتفيا بالنفط العراقي قبل الإحتلال الأمريكي ، فليس هناك من داع لاستخراج النفط من الصخور ، وهو عذر أقبح من ذنب ، وبعد ذلك ، تم تسجيل تأخير آخر لاستخراج النفط من الصخر الزيتي الأردني في عذر آخر أقبح من سابقه ، وهو اتفاقية توريد الغاز المصري للأردن ، حيث تم تزويد الأردن بالكمية المتفق عليها وقدرها 250 مليون متر مكعب لعام واحد فقط وهو العام 2009 ، ومن ثم توالت نكبات خط الغاز المصري ، إلى أن وصلنا إلى رقم 8 مليون متر فقط خلال العام 2013 .
أي أننا تلقينا ضربتين موجعتين ، ومتتاليتين .
ولا يظنن أحد أن النفط الذي سيجنيه الأردن من أنبوب النفط العراقي المذكور سيكون نفطا مجانيا كما يتوهم كثيرون ، وكذلك الأمر بالنسبة لخط الغاز العراقي الرديف الذي سيوفر للأردن 10 مليون متر مكعب فقط في اليوم ، بل سيدفع الأردن أثمانه هو الآخر .
وأيضا ، لا يجوز أبدا أن يقال : إن خط النفط العراقي المذكور هو شبيه بخط الغاز الروسي العابر لأوكرانيا ، لاختلاف في الإعتبارات التي لا يتسع المجال لذكرها .
ناقشنا الأمر اقتصاديا ، وإذا ولجنا لهذا الخط سياسيا فقد نذهب مذاهب شتى لا نرغب في الخوض فيها راهنا ، فلكل مقام مقال .
د . فطين البداد