ماذا يعني مد أنبوب نفط من البصرة إلى العقبة ؟

تم نشره الأحد 05 كانون الثّاني / يناير 2014 12:43 صباحاً
ماذا يعني مد أنبوب نفط من البصرة إلى العقبة ؟
د . فطين البداد وفي الخلفية خط سير الانبوب النفطي من العراق الى الأردن

لم تكد تمضي أيام معدودات على عودة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور من بغداد التي زارها رسميا مع وفد سياسي واقتصادي رفيع شمل وزراء الخارجية والداخلية والتجارة وغيرهم ، حتى فوجئ المراقبون بتهديد نسبته قناة عراقية لمصدر حكومي : أن العراق سيقطع مساعداته النفطية عن الأردن ، وسيلغي خط النفط المزمع إقامته بين البلدين ، والسبب هو أن قنوات فضائية عراقية تبث من الأردن تحرض على الفتنة الداخلية في العراق وفق المصدر نفسه ، ولم ينف الخبر الذي تناقلته مختلف وسائل الإعلام أي مصدر حكومي عراقي ، مما يعني أن هناك رضى عن الخبر وهو تلميح وليس تصريحا ، والتلميح لدى السياسيين أبلغ أحيانا .

وتقول مصادر الأردن والعراق : إن أنبوبا للنفط كلفته 17 مليار دولار سيبدأ العراق بطرح عطائه خلال شهر ، على أن تتم المباشرة ببنائه خلال الربيع القادم ، وهو أنبوب يصل البصرة بميناء العقبة بطول 1700 كيلو متر ، وسيدخل إلى الأردن يوميا ما بين خمسة إلى عشرة ملايين دولار كضريبة مرور ، وسيوفر خلال مراحل بنائه ما يقرب من 3000 فرصة عمل أردنية ، ولن يكلف إنشاؤه الأردن أي قرش ، إذ سيتكفل العراق بكامل نفقاته حتى داخل الحدود الأردنية ،ومن المتوقع أن يستكمل خلال العام 2017 ، ويكون كله ملكا للحكومة العراقية بما فيه الجزء الذي في الأردن ويصل إلى 690 كيلو مترا ، على أن يملك الأردن الجزء الذي يمر عبر أراضيه بعد 20 عاما .

وتقول معطيات مؤكدة حصلت عليها : أن الأردن يستورد جزءا من احتياجاته النفطية من كركوك ، بواسطة " شركة تسويق النفط العراقية بموجب اتفاقية مبرمة مع مصفاة البترول الأردنية استندت على مذكرة التفاهم الموقعة بين الأردن والعراق بهذا الخصوص ، حيث يتم حاليا استيراد 10000 برميل يوميا ، وتقول مصادر المصفاة التي تسنى لي الإطلاع على أرقامها : أن سعر شراء نفط كركوك يساوي سعر شراء نفط برنت ، ولكن يخصم من سعر كل برميل مبلغ 18 دولارا ، وهذا الخصم يشمل أجرة النقل البري من مرافق التحميل في " بيجي " إلى مصفاة البترول الأردنية ، بالإضافة إلى كلفة " فرق الجودة " للمشتقات النفطية الخفيفة .

غير أنني وعلى الجانب الآخر ، اطلعت على معلومات تنشر لأول مرة تقول : - أقتبس حرفيا من كتاب رسمي صادر عن المصفاة وموجه لرئيس الحكومة ويحمل الرقم 6 / 3 / 5 / 1658 / 2013 - : إن الأردن يستورد النفط من السعودية بسعر السوق ، ويصل حجم مستوردات الأردن من السعودية إلى 90 % من الحجم الكلي ، إذ تقوم شركة مصفاة البترول ومنذ انتهاء امتيازها في العام 2008 باستيراد النفط الخام من صنف " عربي خفيف " من شركة أرامكو السعودية ، وفقا لاتفاقية يتم تجديدها سنويا ، وحاليا يتم استيراد ما يصل لشحنتين من النفط الخام بواسطة ناقلة نفط بحمولة حوالي " 1 مليون برميل " ويتم الإستيراد على أسس تجارية وبدون أية أسعار تفضيلية ، ومعادلة شراء هذا النفط من ميناء ينبع السعودي تتم على النحو التالي :

سعر الشراء " العربي الخفيف " يساوي معدل سعر نفط عمان ونفط دبي تضاف إليه أجرة نقل بالأنبوب من المنطقة الشرقية في السعودية إلى ميناء ينبع السعودي على البحر الأحمر ، وتبلغ هذه الأجرة " 25 " سنتا للبرميل .

أي أن النفط الوارد من السعودية يشتريه الأردن بسعر السوق مضافا إليه ما ذكرنا .

وإنه لمن العجب أن يتم الإعلان عن نية طرح عطاء مد أنبوب البصرة - العقبة خلال شهر من قبل الحكومة العراقية وهو ما كشفه رئيس الحكومة الدكتور النسور دون أن يطلع الأردنيين ، ولا نوابهم حتى ، على الإتفاقية المبرمة بين البلدين ، ومضى الأمر منذ توقيع اتفاقية الإطار في نيسان من العام الفائت لغاية الآن في سرية تامة .

كل المؤشرات والمعطيات تقول : إن الأردن سيتخلص من فاتورته النفطية الباهظة حال البدء بتشغيل هذا الخط ، بحيث سيوفر الأردن ما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار، وهي كلفته النفطية السنوية ، ولكن مشروعا بهذه الضخامة ، وبهذا " الإغراء " يجب أن يكون واضحا في كل ما يتعلق به ، حتى في ظل العواصف السياسية التي تجتاح المنطقة ، بل وفي ظل العلاقات الأردنية العراقية التي قد تتقاطع في أكثر من محور ، وقد تختلف في محاور أخرى ، وهنا يكمن بيت القصيد ، ومكمن الخطر .

فبالأمس القريب ، قطعت السعودية خط ما يعرف بـ " التابلاين " بسبب عاصفة سياسية ضربت علاقات الدولتين في العام 1990 ، وهذا الخط الشهير كان يبلغ قطره ( 20 ) إنشا ، وطوله 1214 كيلو مترا وكان يصل حقول النفط السعودية على الخليج العربي مع الموانئ اللبنانية في البحر المتوسط ، وفي ذلك العام ، تم قطع الخط عن طريق تفريغه من النفط الخام ، وتعبئته بالنيتروجين ، كما قامت السعودية بوقف عمل نظام ما يعرف بـ " الحماية المهبطية " التي تستخدم للحد من تآكل الأنابيب المدفونة تحت الأرض ، مما جعل الجزء الواقع داخل الأردن غير صالح للإستخدام ، وفي ما بعد تعرضت أطوال كثيرة منه للسرقة وبات أثرا بعد عين .

هل أخذنا بالإعتبار أن غضبة عراقية شبيهة بالغضبة التي استهللت بها مقالتي أعلاه ، أو بغضبة السعوديين ، قد تجعلنا بين ليلة وضحاها بدون 3 آلاف فرصة عمل لمهندسين وغيره ، وبدون 3 مليارات سنويا نكون قد تعودنا على إدراجها في الموازنة العامة للدولة ، وبدون الخمسة أو العشرة ملايين التي سنجنيها يوميا كأجرة مرور للنفط عبر بلادنا ؟ .

ولأن الشيء يذكر بشبهه ، أذكّر هنا ، بحوادث التفجير التي طالت خط أنبوب الغاز المصري ، حيث إن الإتفاقية الموقعة بين الأردن ومصر ، وضعت الكوارث الطبيعية " شرطا مقبولا " لتوقف ضخ الغاز للأردن ، فقد وقع الأردن اتفاقية مع المصريين لتزويده بـ 250 مليون متر مكعب من الغاز يومبا ، لينخفض في العام 2013 إلى حوالي 80 مليون متر كما علمت من مصدرموثوق ، ولم يذكر لنا أي مستشار قانوني حتى الآن : هل تفجير الأنبوب كارثة طبيعية ، أم بشرية يا ترى ، ولماذا لم يتم تعويضنا عما خسرناه طالما أن الإتفاقية تلزم الجانب المصري أن يكشف للأردن كافة تفاصيل أية حوادث يتعرض لها الخط ، وملابساتها ونتائج التحقيقات فيها ، وتلزمه - كذلك - باستمرار ضخ الغاز أو تحمل تبعات توقفه ؟؟ .

لا أريد أن أكون متشائما ، ولكني أطلب أن يرى كل الناس الإتفاقية المبرمة مع الأشقاء العراقيين ، وأطلب نشرها فورا ، لكي لا يصيبنا ما أصابنا في خط التابلاين ، وخط الغاز المصري الذي عوضت الحكومة انقطاعه برفع أسعار المشتقات النفطية على المواطنين ، وآخرها كان ليلة رأس السنة لعام 2014 .

أعود وأذكر : إن الخط المار عبر الأردن بطول 690 كيلو مترا سيكون ملكا للحكومة العراقية لمدة 20 سنة ، بما يعنيه هذا " التملك " من تبعات وحقوق عراقية داخل الأرض الأردنية ، مرئية وغير مرئية ، وإن لم يعجبنا ذلك ، فإن بإمكان العراقيين حينها " جرجرتنا " إلى المحاكم الدولية .

للعلم فقط ، فإن مسؤولا نفطيا كبيرا قال لي : إن سبب غض الطرف عن استخراج النفط من الصخور الزيتية الأردنية طوال الحقبة الماضية يعود لكون الأردن - حينها - كان مكتفيا بالنفط العراقي قبل الإحتلال الأمريكي ، فليس هناك من داع لاستخراج النفط من الصخور ، وهو عذر أقبح من ذنب ، وبعد ذلك ، تم تسجيل تأخير آخر لاستخراج النفط من الصخر الزيتي الأردني في عذر آخر أقبح من سابقه ، وهو اتفاقية توريد الغاز المصري للأردن ، حيث تم تزويد الأردن بالكمية المتفق عليها وقدرها 250 مليون متر مكعب لعام واحد فقط وهو العام 2009 ، ومن ثم توالت نكبات خط الغاز المصري ، إلى أن وصلنا إلى رقم 8 مليون متر فقط خلال العام 2013 .

أي أننا تلقينا ضربتين موجعتين ، ومتتاليتين .

ولا يظنن أحد أن النفط الذي سيجنيه الأردن من أنبوب النفط العراقي المذكور سيكون نفطا مجانيا كما يتوهم كثيرون ، وكذلك الأمر بالنسبة لخط الغاز العراقي الرديف الذي سيوفر للأردن 10 مليون متر مكعب فقط في اليوم ، بل سيدفع الأردن أثمانه هو الآخر .

وأيضا ، لا يجوز أبدا أن يقال : إن خط النفط العراقي المذكور هو شبيه بخط الغاز الروسي العابر لأوكرانيا ، لاختلاف في الإعتبارات التي لا يتسع المجال لذكرها .

ناقشنا الأمر اقتصاديا ، وإذا ولجنا لهذا الخط سياسيا فقد نذهب مذاهب شتى لا نرغب في الخوض فيها راهنا ، فلكل مقام مقال .

د . فطين البداد 

 fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات