موازنة 2014 : نفس قصة إبريق الزيت !
يبدأ النواب صباح الإثنين مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2014 ، وهو القانون الذي تطرقت إلى جانب منه في مقال سابق ، ووعدت بمتابعة نقاشه ، وها أنا ذا أفعل .
لا نرغب هنا في مناقشة أرقام صماء ، ولكننا سنشارك السادة النواب في بعض التحليل الذي لا بد أنهم يشحذون أقلامهم وأرقامهم في هذه الأثناء لتلاوته على الهواء مباشرة عبر شاشة التلفزيون الأردني كما جرت عليه العادة :
تزداد الإيرادات العامة في موازنة 2014 عن العام 2013 بقيمة تصل إلى 6 ، 61 مليون دينار ، أو بنسبة 1 % من الناتج ككل ، وهي نسبة لا تكاد تذكر في الشركات الخاصة لدى إعادة التقدير بشكل عام إن كان الإقتصاد في عافية ، فما بالكم بالدول ؟ .
وفي مقابل هذه الزيادة ، يسجل الناتج من الإيرادات المحلية تراجعا بقيمة 70 مليون دينار ، أو ما نسبته 3 ، 1 % لدى إعادة التقدير .
واللافت في مشروع قانون الموازنة للعام الحالي : أن الإيرادات الضريبية تراجعت بنسبة تصل إلى 5 ، 1 % مليون دينار ، أي بمبلغ 55 مليون دينار على اعتبار أن إيرادات الضريبة للعام الحالي هي 517 ، 3 مليار دينار .
وما يلفت في هذا التراجع أنه مسجل على الشركات المساهمة العامة ، مما يعني ، أن هناك شركات متعثرة وتتعثر كل عام ، ولا زالت عاملة ، أو إن شئتم : لم يتم النظر بأسباب تعثرها ، ويشي هذا الأمر بأن قصة الموازنات هي نفس قصة " إبريق الزيت " التي لا زالت الحكومات المتعاقبة تتعاطى بها ومعها ، وتقتضي الأمانة هنا أن أذكر بأن وزير مالية سابقا تنبه لهذه القضية فقدم مع موازنة العام 2013 برنامجا للإصلاح الإقتصادي لم يلتفت إليه أحد ، لنفاجأ بأن هذه الشركات هي ذاتها ، بل زادت أعدادها ، ويعني هذا أننا ننظر في واد ، بينما نطبق في واد ، ولنقس على تراجع ضرائب الشركات تراجع ضرائب الخدمات والسلع ( المستوردة والمحلية والخدمات ) .
فإذا كانت الحكومات تضع أرقاما تقديرية ، فإن هذه الأرقام التقديرية كان يجب أن توضع بناء على قراءة تقديرية ضريبية واعية ، إلا أن ما لم يعلمه الأردنيون ، ان الأخطاء التي وقعت في موازنة العام 2013 ستقع في موازنة هذا العام ، لماذا ؟؟ لأن الطريقة التي اتبعت في تقديرات الناتج هي ذاتها التي اتبعت في العام الحالي ، وأتحدى أن لا نشهد نهاية العام ذات السيناريو السابق ، إذ إن الحكومة ، وبعد أن تبين لها بأن أرقام موازنتها للعام 2013 كانت خطأ ، أو إن تلك الأرقام جاءت لأسباب " تجميلية " كما ورد بتقرير اللجنة النيابية المالية ، عمدت " لتلحق حالها " إلى فرض الضرائب الخاصة على الإتصالات والخلويات ورفعت ضريبة المبيعات على الملابس ، ونسيت في غمرة كتابة أرقام موازنتها أن سكان الأردن يزيدون ، بل إن تقرير اللجنة المالية الذي حصلت عليه يقول : إنه كان بالإمكان أن تصل نسبة تراجع المقدر إلى " 300 " مليون دينار ، وهو أمر في غاية الخطورة .
وإذا استثنينا ضريبة العقار والرسوم الجمركية اللذين سجلا نموا بقيمة 31 مليون دينار ، فإن جميع الإيرادات غير الضريبية سجلت تراجعا من مثل : فوائد القروض المستردة ، بقيمة 15 مليون دينار ، والملكية الأردنية التي سجلت تراجعا بقيمة 5 ، 2 مليون دينار ، وينطبق نفس الحال على الفوائض المالية : حيث سجلت تراجعا كل من إيرادات المؤسسة الإستهلاكية المدنية ، وأرباح شركات توليد الكهرباء ، ومؤسسة سكة الحديد ، وهيئة الطيران المدني وسلطة إقليم البتراء ومستشفى الأمير حمزة وصندوق البحث العلمي ، وهيئة النقل البري .
وليس هذا فقط ، بل سجلت الرسوم الإدارية هي الأخرى تراجعا من مثل إيرادات : المحاكم ، والجوازات ، والأحوال المدنية ، والخدمات القنصلية ، وتصاريح العمل والإقامة وتسجيل الشركات وتحويلات التأمينات الجمركية .
أما القطاعات التي سجلت نموا في الإيرادات غير تلك المقدرة في العام 2013 فهي كل من : الفوائد البنكية ، وكذلك الأمر بالنسبة للفوائض المالية التي سجلت نموا عن المقدر لها من مثل : شركة الصوامع ، وشركة المطارات الأردنية ، وهيئة تنظيم الإتصالات ، ومركز إيداع الأوراق المالية ، وهيئة الأوراق المالية ، والمناطق الحرة ، وهيئة التأمين ، ومؤسسة المواصفات والمقاييس ، وعوائد مطار الملكة علياء ، وصندوق التشغيل والتدريب ، وهو أمر يقاس على " الرسوم الإدارية " من مثل تسجيل نمو في كل من : طوابع الواردات ، التلفزيون الأردنية ، الآثار العامة ، رخص المركبات .
وإذ حاولت الإختصار قدر الإمكان ، فإني أنبه النواب والمواطنين ، بأن كل القطاعات التي سجلت تراجعا وأشرت إليها ، تم تكرار " خطيئة " توقع نموها في موازنة العام 2014 ، أي أننا نكرر الأخطاء عاما إثر عام ، حتى بات المرء يتساءل حقا : من الذي يضع الموازنات للدولة الأردنية ؟ .
وإذا أغضب هذا السؤال دائرة الموازنة العامة ، فإني أسأل السادة في دائرة الموازنة العامة وهم يعرفون الإجابة بالتأكيد : كيف تضعون للعام 2013 منحا تطلقون عليها " منح أخرى " وهي غير المنح المؤكدة والموثوقة حيث وضعتم رقمها " صفر " وإذ بها في نهاية العام 2013 تصل إلى 140 مليون دينار ، أو بمجموع " منح أخرى " قدرها 280 مليونا ، دون أن نحسب الـ 140 مليون دينار " الأمريكية " التي " دبك " السفير الأمريكي في إربد بعد الإعلان عنها ، وخصصت كمساعدات على مدار خمس سنوات ، وجاءت دعما أمريكيا مشكورا للمحافظات أو " الحكومات المحلية ؟ .
واستذكر هنا ما قاله رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور ، عندما أخبر المواطنين بأنه " سيتدبر " أمر المبلغ الذي نقص من تقديرات موازنة العام 2013 عندما ألغى التوقيت المعمول به ، حيث كان التوقيت الذي تذمر منه المواطنون يوفر ما يقرب من 7 ملايين دينار ، وأحاول أن أنقص هذا المبلغ من " المنح الأخرى " فتصبح المعادلة كالتالي : 140 – 7 = 133 مليون دينار ..
حسنا : أين تم رصد هذا المبلغ الذي لم يكن مرصودا في الموازنة المذكورة ؟ .
سيمر مشروع قانون موازنة 2014 كما مر سابقه ، لأنه ما من أحد " قاري ورق " كما يقول المثل الأردني الدارج .
د . فطين البداد