عن احتكار الإستيراد وشحنة القمح وأشياء أخرى
احتكار السلعة ، لا يختلف من حيث الفجور والأنانية وحب الذات الدوني عن احتكار السلطة .
فالأول يخلف ظلما وطبقية مقيتة ، وسيطرة وحكما مطلقا ، وبه يستطيع المحتكر ، شركة كانت أم مصنعا أم تاجرا فردا وما شابه فرض ما يشاؤون من أسعار وشروط مستغلين حاجة الناس ، وتفردهم في توفير سلعة بعينها ،وغير ذلك من مآس يخلفها الإحتكار: اجتماعية واقتصادية وفساد وإفساد إلخ ..
والثاني ، أي احتكار السلطة ، لا يخرج عما ذكرنا ، وإن جاء بوجوه ومسميات أخرى .
وإني لأعجب أشد العجب ، كيف تسمح الدولة ، أي دولة ، في أن تخالف هي قوانينها وتوافق على الإحتكار غير الطبيعي ، على اعتبار أن هناك احتكارا طبيعيا يرى اقتصاديون ، أنه لا بد من حمايته وخاصة في الخصخصة والأعمال بعيدة المدى ، أما في حال وجود منافسين ممتلئين فيبطل هذا المسوغ فورا ، ولا يعود مقبولا - أخلاقيا إن شئتم - لأن شره ذائع ، وضرره واقع .
ولا يقتصر الإحتكار على الجهات التجارية ، بل قد يتعداه إلى الحكومات ، وها هي شحنة استيراد القمح - 52 ألف طن - والتي وقع حولها لغط كبير مؤخرا وتم حجز 20 ألف طن منها في صوامع العقبة قبل أن تفرج عنها وزارة الصناعة والتجارة بقرار قضائي ، ها هي تشغل دواوين الوزارات وصادرها وواردها والمؤسسات التشريعة والرقابية والقضائية وصادرها وواردها ، ليتبين بعد كل ما قيل في الشحنة المذكورة ، أن ذات الجهة التي تحفظت عليها هي نفسها التي سمحت بإطلاق حجزها ، فنسمع عن سجال عاصف بين وزير الصناعة ومؤسسة الغذاء والدواء ، ولعل لقصة القمح هذه حكاية تروى :
فقد تم طرح العطاء من قبل وزارة الصناعة والتجارة لشراء القمح ، وفضت العروض ، ورست على الأقل سعرا ، وبالفعل ، تم توريد 52 ألف طن قمح إلى الأردن بعد حصول الوزارة على تقرير من شركة المعاينة الدولية المتعاقدة معها .
يعد ذلك بوشر بتحميل باخرة رومانية تدعى " QUEEN SAPPHIRE " تحت إشراف وفد من الوزارة ، وهي الطريقة التي تتبعها وزارة الصناعة والتجارة في جميع مستورداتها من مادة القمح ، وكانت المفاجأة :
فقد رفضت مؤسسة الغذاء والدواء إدخالها باعتبار الشحنة غير صالحة للإستهلاك البشري ، وهنا أنقل حرفيا عن كتاب وجهه وزير الصناعة والتجارة حاتم الحلواني لأحد الوزراء من زملائه في حكومة النسور .. يقول الوزير :
لقد قامت مؤسسة الغذاء والدواء بإصدار كتاب حمل الرقم 1 - 1 - 14 - 8790 ، وبنسختين ( لاحظوا خطورة ما يقوله الوزير في كتابه ) وإن كل نسخة تحمل قرارا حول شحنة القمح يختلف عن الآخر ، تم توجيهه لدائرة الجمارك ، ما أجبر الوزارة على تنفيذ القرار الأشد حذرا ، وفق ما ورد في الكتاب .
إذن : فإن الإحتكار لا يعني السلع فقط ، بل يعني القرار الحكومي ، وهذه قصة شحنة القمح باختصار .
وأختتم بمثال آخر ، قد يكون أشد خطرا من سابقه ، وهو استيراد إحدى المواد الغذائية التي تحتكر إحدى الشركات استيرادها منذ سنوات ، وأنقل هنا حرفيا عن تقرير نشره موقع المدينة نيوز بتاريخ 8 - 3 - 2010 ، وفيه يقول الوزير المعني حرفيا مبررا الإحتكار الذي لا زال نافذا ونحن في العام 2014 : " .. يقول :
( إن استيراد هذه السلعة ... ، ونظرا لأن الدول التي يسمح بالإستيراد منها " بعيدة " ، فإن تكاليف استيرادها مرتفعة جدا .. وعليه ، فقد أصبحت عملية الإستيراد تتطلب ملاءة مالية كبيرة ، الأمر الذي أدى إلى وجود شركة " وحيدة " قادرة على استيراد هذه السلعة وتتمتع بوضعية احتكار طبيعي ) .
أخيرا : ليس بعد الكفر ذنب ، أليس كذلك ؟ .
د . فطين البداد