عن مؤتمر " الطريق إلى القدس "
مبادرة أردنية طيبة ، تلك التي أطلقت نهاية الشهر الفائت بعنوان : " الطريق إلى القدس " .
هو المؤتمر الأول الذي ضم نخبا دينية : إسلامية من مختلف أرجاء العالم ، ومسيحية : من مختلف طوائف الأخوة المسيحيين وكنائسهم ، فرسم المؤتمر على مدار ثلاثة أيام متواصلة لوحة فسيفسائية زاهية ، واعدة ، حالمة ، ولكنها لوحة بلا خريطة .
ولقد أدهشني البيان الختامي للمؤتمر الذي حرص على أن يكون شاملا ، ولكن الأمر اللافت : هو تلك الفتوى التي سمحت للفلسطينيين فقط وللمسلمين من خارج العالم الإسلامي بزيارة القدس ، دون أن أفهم كيف تم هذا الإختيار وهذا التحديد ، ولماذا ، وهل تتوافق هذه الفتوى مع فتاوى أخرى تناقضها ، وتحرم الزيارة في ظل الإحتلال ، أم جاءت كبديلة عنها ؟ .
وما كان لافتا أيضا في المؤتمر الأول للقدس : أنه لم يكن مسموحا الحديث عن أي قضية تتعلق بمحيط القدس من قضايا البلاد والعباد ، وأفهم أن سبب ذلك يعود لخشية الداعين إليه وهم نواب اردنيون من لجنة فلسطين ، من أن ينقلب إلى شحناء وبغضاء في أوساط المؤتمرين ، فإذا كان هذا هو السبب ، ولا أعرف غيره ، فإن هذا الأمر جعل من القدس جزيرة معزولة لا علاقة لها بالمحيط ، مع أنها هي - ولا أحد غيرها - سبب أمواجه وعواصفه ليس في المنطقة والإقليم ، بل والعالم :
فإذا ما استذكرنا التاريخ القريب - كمثال يفي بالغرض - فإنه على مدار ثمانية أعوام عجاف من حكم جورج بوش الإبن ، ذلك الرئيس المتصهين المتطرف ، تم فرز العالم وفق رؤية ما عرف بـ " المسيحيين الجدد " وما كان لبوش أن يفعل ما فعل بالعالم الإسلامي لولا حربه الدينية التي أعلنها باسم " القدس " من خلال حرب صليبية جديدة ، مستذكرين - في هذا المقام – : أن الحروب الصليبية القديمة ما كانت لتقوم لولا القدس وما تعنيه القدس .
لقد وحد المؤتمر أغلب المدارس الإسلامية ، والمسيحية ضمن رؤية لا خلاف عليها بالأساس : وهي مكانة القدس لدى الجميع ، ولكن : هل أضاف شيئا ملموسا يوقف التهويد ، ويمنع التهجير وابتلاع ما تبقى من الأرض في المدينة المقدسة ؟ .
إن الدعوة إلى المؤتمر دعوة طيبة ، ومباركة ، وذات دلالات سياسية كبرى عبرت عنها غضبة أردنية مهيبة كرد على التحدي الصهيوني الأرعن ، و" حركشته " بالأردن من خلال كل ما يحيط بالقدس من أخطار ، ولكن نجاح أي مؤتمر من عدمه ، لا تحدده فقط الأسماء المشاركة فيه ، ولا مكانتها الدينية والدنيوية، مع الإحترام لها جميعا ، بل بما يخرج به من توصيات قابلة أن تتحول لقرارات ، والقرارات - كما هو معروف - تتخذها دول وليس أفرادا متحمسين ما من شك أبدا في إخلاصهم ونقائهم .
وأيا كان الأمر ، فإن ما أثلج الصدر ، هو ما شدد عليه الكثيرون ومن مختلف الطوائف ، عن أن " العهدة العمرية " لا زالت حاضرة ، فبها نتوحد مسلمين ومسيحيين في مواجهة كل ما يخطط له أعداء الإنسانية : أولئك الرعاع الذين جيء بهم لفيفا ، لنـُــتَبـّر – نحنُ - ما علَوْا تتبيرا ،وهو وعد إلهي محتوم .
د.فطين البداد