نظرية المؤامرة في العقلية الأردنية
قلت في مقال سابق : إن البيروقراطية هي التي تقف حجر عثرة في وجه الإستثمار ، وتحدثت في مقال " الملك والخطة العشرية والنواب وقانون الإستثمار ) عن ضرورة انطلاق البلد بدون وجل نحو فتح أبواب الإستثمار على مصراعيه برقابة معقولة لغايات وطنية عليا ، ولقد أثلج صدري رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور الذي قال للنواب في آخر جلسة نيابية في الدورة البرلمانية الإستثنائية التي عقدت الأربعاء الماضي : " إن البيروقراطية والإستثمار لا يلتقيان ، وذلك في معرض دفاعه عن قانون جديد يدعى " الشراكة بين القطاعين العام والخاص " .
ولما كان " البعض " من الحرس القديم لا زال يلعب على كل الحبال ، فقد تعثر القانون المذكور ، ولولا حكمة نائب رئيس مجلس النواب ورفعه للجلسة قبل التصويت ، لانتهت الدورة الإستثنائية بدون إقراره نيابيا ، حيث لا أعتقد بأن الأعيان سيرفضونه في الدورة العادية لأسباب ليست مجال حديثنا هنا .
وعندما أحس رئيس الحكومة بأن تشنجا نيابيا قد يطيح بقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، طلب الحديث وهكذا كان ، حيث تمكن من إقناع النواب بأن القانون يصب في مصلحة البلد ، ولا ضير من مشاركة الحكومة للقطاع الخاص في أي مشروع بنى تحتية أو غيره ، على اعتبار أن الرئيس – رئيس الحكومة – ووزير المالية ووزير التخطيط وغيرهم هم من سيكونون أصحاب الكلمة في هذه المشاريع وليس القطاع الخاص ، وكانت مداخلة مهمة قلبت الآراء رأسا على عقب ، فصوت النواب لصالح القانون ، بعد أن أقاموا الدنيا في جلسة سابقة رفضا له .
ولا يجوز أن يغيب عن المهتمين ، أن أغلبية دول العالم الأول ، إن صح التصنيف – تشارك القطاع الخاص في مشاريع ضخمة ، تعود بالنفع على القطاعين ، وبهذه الطريقة يعم الرخاء والوفر وتنتعش البلاد والعباد ، بعيدا عن المركزية المتحجرة ، والنظر إلى المواطن وكأنه أوزة تبيض ذهبا كلما دعت الحاجة .
إن التجربة الأردنية في إقرار مشاريع القوانين التي تصب في خانة الإصلاح بمختلف ألوانه وحقوله باتت مضرب المثل في الكثير من دول المنطقة ، ولا نريد أن يقال عن كل قانون جديد ينشد الإصلاح الإقتصادي : إنه توصية من صندوق النقد الدولي ، مع تحفظي الشخصي والشديد على تدخلات الصندوق ، من ليتر البنزين إلى رغيف الخبز ، غير أننا يجب أن نعمل عقولنا أولا ونتصرف بما تمليه علينا مصلحتنا الأردنية الوطنية ، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص أحد أهم القوانين الإصلاحية في هذا المجال .
فقط ، أريد أن أذكر الأعزاء القراء بأرقام قدر لي الوقوف عليها من وزير مالية معروف ، ليس الوزير الحالي على كل حال ، حيث كشف لي بأن الإتحاد الأوروبي لم يمنح الأردن خلال العام 2013 أي يورو ، أي أن منح الأوروبيين " صفر " بعكس ما يروجون ويعلنون ، وكذلك الأمر ، فإن الأمريكيين لم يمنحوا الأردن طوال نفس العام سوى 142 مليون دينار ، ولا تصدقوا غير ذلك ، بينما لم تمنح الصناديق العربية الأردن سوى 74 مليون دينار ، في حين حصل الأردن في العام المذكور على منح " طارئة " من السعودية واليابان قدرها 217 ( نتحدث عن المنح المتحققة ) وفي نفس العام ، اقترض الأردن من المؤسسات الدولية حوالي 666 مليون دينار ، وأصدر سندات وأذونات محلية بقيمة 474 مليون دينار .
أفبعد هذه الأرقام الموثوقة يجيء من يضع العصي في دواليب التنمية والإستثمار ؟؟ .
لقد آن الأوان أن نساعد أنفسنا وندرك بأن الواقعية ، والواقعية وحدها ، هي من ستجعلنا قادرين على مواجهة الضائقة التي نعانيها ، وليس التشكيك و " نظرية المؤامرة " .
د. فطين البداد