الأردن : نظام " أوراكل " وإخفاء أسماء أشخاص تقاضوا ملايين الدنانير
يتحدث بعض من عملوا في القطاع العام وتسنموا مواقع وزارية أو أكبر ، إن شئتم ، عن الأنظمة المالية التي تم اعتمادها في المؤسسات والوزارات والدوائر وغيرها ، من تلك التي تفرض نوعا واحدا من الخدمة ليس بالإمكان تجاوزه إلا بتحديث من شأنه أن يعود بالمشاريع القهقرى ، ولا يقع التحديث من دون إدخالات تقنية جديدة ، وهو أمر ينجح في شركات ولكن ليس في حواسيب مالية حكومية شاملة ، إلا من خلال نسف ما بنيت عليه الأنظمة المالية السابقة .
وإذا ضربنا على ذلك ديوان المحاسبة ، مثلا ، وهو الجهة الوحيدة بموجب الدستور ، التي يحق لها أن تسرح وتمرح في الوزارات والمؤسسات ، والمرتبطة مباشرة بمجلس النواب وليس بالحكومة ، فإن هذه الجهة هي أكثر من يعاني من هذه الأنظمة المالية ، حتى إن البعض يغالي ويقول : إن النظام المالي الألكتروني المتبع في مؤسسات الدولة جاء مفصلا تفصيلا وكأن الهدف منه تضليل ديوان المحاسبة ، والمؤسسات الرقابية الأخرى ، وإبعادها عن الملفات والأسماء وغيرها ، وفق ما يقولون .
والنكتة التي يتداولها هؤلاء ، أن نظام " أوراكل " ( Oracle Corporation) ) ، لا يتضمن أسماء ، بل يعتمد على قواعد بيانات ، وفي الديوان لا تظهر إلا أرقام مستندات الصرف ، وهو ما يجعل من شبه المستحيل معرفة ما دار وما يدور في أروقة المؤسسات والدوائر وغيرها ، فيصبح ديوان المحاسبة – في هذه الحالة -- مثل الأطرش بالزفة .
تتحدث شخصية معتبرة في هذا الشأن من خلال حديث عرضي : أن ملايين الدنانير تم إنفاقها على شكل مكافآت صرفت لفلان وعلان ، وليس من إثباتات عليها سوى أرقام المستندات ، أما أسماء الأشخاص ، فإن من يطلبها عليه نفض أطنان من الأوراق والغبار قبل أن يصل إليها ، فهل كان المقصود في الأصل ، هو الوصول إلى هذه النتيجة كما ورد في الإتهام السابق ؟ .
ومن المعروف أن شركة أوراكل الأمريكية هي من أقوى وأفضل شركات تقنية المعلومات وقواعد البيانات في العالم ، ولكن الحديث هنا ليس عن منتوج الشركة ، ولكن عن الإختيار الذي تم - أردنيا - على هذا المنتوج .
ولقد توثقت من أن إحدى المؤسسات الحكومية صرفت مكافآت لموظفيها عن عام 2013 مبلغ وصل إلى مليوني دينار ( تخيلوا : مؤسسة حكومية تكافئ موظفيها بمليونين من الدنانير ) وعندما أراد ديوان المحاسبة معرفة هؤلاء المحظيين الذين " هبشوا " موازنة المؤسسة المذكورة عن طريق المكافآت ، اصطدم بواقع هذا النظام المالي الذي لا يتيح استخراج الأسماء ، ويكتفي بإخراج رقم مستندات الصرف.
في ظل ما سبق ، فإنه يحق للأردنيين معرفة الجهة أو الشخص الذي قرر اعتماد أنظمة مالية لا تسجل الأسماء ، لكونها - أردنيا - فصلت تفصيلا على الأرقام ، والأرقام فقط .
الأمر مريب ، أو لعلني أنفض أمرا تكلس ، وليس بالإمكان نفضه ..
ولعلني - ايضا - لا أذيع سرا إذا قلت : بأن الزمن الذي كانت تكشف فيه الأسماء ولى إلى غير رجعة ، وأزيدكم من الشعر بيتا : فإن أي جهاز رقابي ، أو حتى نيابي لا يمكنه معرفة من بلع ومن ابتلع ، لسبب بسيط : أن أي سؤال عن الأسماء ممنوع ، وكثيرا ما رجعت أسئلة نواب إلى مكاتبهم بسبب أن كشف الأسماء محظور استنادا إلى تفسير دستوري حظر على النائب - مثلا - تقديم سؤال عن أي اسم من الأسماء ، حتى لو كان صاحبه " حرامي " مع سبق الإصرار .
شبه مستحيل كشف الاسماء لديوان المحاسبة ، وممنوع كشف الأسماء للأجهزة الرقابية الأخرى ، وكل من يريد من هؤلاء أن يعرف شيئا مريبا عليه أن يلجأ إلى قاعدة البيانات " الرقمية " ، وبغير ذلك فليضرب رأسه بأقرب حائط .
د. فطين البداد