الأردن والإخوان وشعرة معاوية
لم تقطع الحكومات الأردنية ، عبر تاريخها - شعرة معاوية ، بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين ، حتى في أشد الأوقات حلكة ، ومن غير المنتظر على المدى المنظور أن يحدث ذلك ، نظرا لما تعتبره الدولة قدرا مقدورا ، لأسباب ذات تماس مع طبيعة المجتمع الأردني " العشائري " لكون الكثير من أعضاء الإخوان أفرادا في المجتمع الكبير ، ولهم امتداداتهم، أو - إن شئتم - حاضنتهم الإجتماعية شئنا ذلك أم أبينا ( أتحدث عن الأفراد وليس الجماعة ) .
يتذكر الجميع ، كيف أن العلاقة التي ساءت إبان حكومة البخيت بين أمين عام حزب جبهة العمل آنذاك زكي بني أرشيد وبين الحكومة ، أفضت إلى لجوء بني أرشيد إلى عشيرته التي أصدرت بيانا التزمت فيه بحماية ابنها من الحكومة ، بعد أن وصل " المقص " إلى الشعرة ، في أسوأ مرحلة تمر بها علاقة الجماعة بحكومة أردنية ، إلى درجة أن الحكومة - آنذاك - كانت على وشك قطع العلاقة لولا رفض الملك الذي أكد بأن الإخوان أعضاء راسخون ضمن نسيج الأردن الوطني .
لم أستغرب ما قاله رئيس الحكومة السبت ، عندما أكد بأنه لا نية لإقصاء الإخوان في الأردن ، وذلك بعد أن شاعت أنباء في اليومين الماضيين عن نية الحكومة حظر الجماعة ، على غرار ما جرى في مصر التي حظرت حزب الحرية والعدالة رسميا .
يعتبر كثيرون : أن علاقة الدولة الاردنية بالإخوان هي علاقة ضرورية للطرفين : فمن جهة الإخوان ، فإنهم يضمنون بأنهم فعلا من ضمن النسيج الوطني ، وبذلك تحفظ لهم مراكزهم ومواقعهم الوظيفية وغير الوظيفية وما إلى ذلك من استحقاقات فرضتها الحقبة التاريخة السالفة منذ تأسيس الجماعة على يد عبد اللطيف أبو قورة في العام 1945 ، أما من جهة الدولة الأردنية ، فإنها ترسخ قناعة بأن وجود الإخوان ضمانة لعدم وجود " داعش " أو تنظيم تكفيري شبيه لها ، وهذا ما حصل في غزة ذات يوم ، حينما قاومت حماس ، بالسلاح ، تيارا سلفيا جهاديا كان يريد أن يعبث بغزة وأطفأت خططه في مهدها ، ويعتقد البعض : بأن الإخوان هم أهون الشرين إن اعتبرنا أن منهجيتهم شر مستطير يهدد البلاد والعباد كما يرى خصومهم .
إلا أن ما أود الإشارة إليه في هذه العجالة ، أن ذكاء إخوان الأردن يخونهم أحيانا ، فنراهم يبعثون برسائل خاطئة تسبب لهم " وجع رأس " هم في غنى عنه ، واضرب مثالا على ذلك بفوز حماس في الإنتخابات التشريعية في العام 2006 ، وما صرح به قيادي في إخوان الأردن " علي أبو السكر " عقب الفوز حينما اعتبر : أنهم - أي إخوان الأردن - " جاهزون لتسلم الحكم في الأردن " الأمر الذي أجج العلاقة ودفع بها إلى حافة الهاوية ، وحديثا ، فإن الإخوان ، وكما يبدو ، لا يتعلمون من أخطائهم ، فها هم في مهرجان " غزة تنتصر" الذي أقاموه في عمان ، قبل أسبوع تقريبا ، يرفعون شعارات ويطلقون هتافات معادية للأردن ونظامه السياسي ، مما جعل العلاقة تتأزم وتصل إلى مرحلة حرجة ، حيث انطلقت أصوات تنادي بحظر الجماعة ، وعدم مهادنتها لأنها خرقت السقوف وتجاوزت الصفوف ، سواء بما قيل في المهرجان أو ما أعد فيه .
أعتقد بأن مبادرة " زمزم " كانت نتيجة حتمية لحالة " انجماد " فكري وسياسي تعاني منها العقلية الإخوانية في الأردن ، وتصريح النسور السبت عن أن الإخوان غير مستهدفين له وجه آخر يقول : " ليس كل مرة ، تسلم الجرة " .
د . فطين البداد