تعيين الملك لرئيس الأركان ومدير المخابرات مباشرة
أرغب هذه المرة أن ألج إلى أمر يتعلق بالتعديلات الدستورية التي أقرتها اللجنة القانونية في مجلس النواب قبل أيام ، وهي الحدث الأبرز في الأردن ، وقد تابعتها عبر المدينة نيوز التي نشرتها بكامل مداخلاتها بالصوت والصورة ، وقبل ذلك ، أرغب في التأكيد بأن هذه القراءة هي قراءة تكاد تكون قانونية ، وعذرا عن هذا التنويه الذي رأيته ضروريا في مثل هكذا مقال .
فقد تركز حديث الأردنيين خلال الأسبوع الفائت ، وعبر الصالونات السياسية وغيرها على هذه التعديلات ، وبالذات ، تلك المتعلقة بتعيين الملك لكل من مدير المخابرات العامة ، ورئيس هيئة الأركان بشكل مباشر ، وأيضا إضافة المخابرات للفقرة الثانية من المادة المذكورة .
فوفق ما ورد في الأسباب الموجبة للتعديل الدستوري ، فإنه جاء :
" لتعزيز حياد واستقلالية القوات المسلحة الاردنية والمخابرات العامة وعدم تأثرهما او تأثيرهما في السياسة ".
وقد جاءت التعديلات في الفقرة الثانية والفقرة الثالثة من المادة 127 : ففي الفقرة الثانية تم إضافة المخابرات لتصبح الفقرة كالتالي : " يبين بقانون نظام الجيش والمخابرات والشرطة والدرك وما لمنتسبيها من الحقوق والواجبات " حيث أضيفت هنا المخابرات .
ولمن لا يعلم ، فإن المخابرات أنشئت أصلا بموجب قانون ، ولها أيضا قانون يحكمها ، وطالما أنها كذلك ، فلماذا إذن هذا التعديل ؟ .
والجواب : أنها اضيفت هنا " في النص الدستوري " ليصبح وجودها دائما ، اي لتصبح دائمة ، ولكي لا يكون بالإمكان تبديلها أو تغييرها إلا بموافقة الملك ، حيث إن النص الدستوري لا يمكن تغييره إلا بموافقة الملك ، أما إذا كانت خارج النص الدستوري ، وموجودة بموجب قانون فقط ، فإن بإمكان أي سلطة تنفيذية أن تتقدم لإلغاء المخابرات العامة من خلال مشروع قانون ، حيث بالإمكان هنا إلحاقها بأي سلطة أخرى ، ويصبح الأمر هنا مرهونا بموقف مجلس الأمة ، فإن وافق على الإلغاء تصبح المخابرات منتهية كدائرة مستقلة ، أما إذا قال قائل : إن ذلك مستحيل ، لأن الأمر بحاجة إلى مصادقة ملكية ، فنقول : كلا ، إذ إن باستطاعة السلطة التنفيذية وبموافقة مجلس الأمة ، إنفاذ أي قانون بدون مصادقة الملك على ذلك ، فإذا رد الملك القانون بعد ستة شهور ، وأصر مجلس الأمة على القانون الذي رده الملك ، فإن القانون بهذه الحالة يصبح نافذا بدون مصادقة الملك ، ولكن إدراج المخابرات العامة في النص الدستوري ، يجعل من المستحيل سحب ما يرد في الدستور إلا بتعديل دستوري ، وليس وفق مشروع قانون ، والتعديل الدستوري لا يتم إلا بموافقة الملك .
إذن : فإن المخابرات أصبحت بموجب التعديل الدستوري مؤسسة دستورية ، وهي هنا إضافة ، وليس تعديلا لأي نص دستوري كما رأينا ، وبموجب القانون الحالي ، فإن ضباط وأفراد المخابرات الآن هم ضباط وأفراد ضمن القوات المسلحة ، ولأنهم بعد التعديل الدستوري أصبحوا يتبعون مؤسسة مستقلة استقلالا كاملا ، فإن الأمر يتطلب هنا تعديلا في قانون القوات المسلحة ، وهو ما لم يرد في مشاريع قوانين الدورة الإستثنائية الحالية كما أعتقد .
وأيضا : فإن صلاحيات تعيين رئيس الأركان ومدير المخابرات التي اختص بها الملك في التعديل الدستوري مدار البحث لا تتعارض مع أي نص في الدستور ، وهي حكم إضافي ، ولا تعتبر استثناء على أي نص في الدستور ، وترتب على الأمر حكم إجرائي ، بحيث بات من صلاحيات الملك ( بموجب التعديل ) أن يصدر قرار التعيين بدون وساطة وزرائه كما هو الشأن في التعيينات التقليدية السابقة ، أي أن الملك هنا يمارس صلاحية جديدة مباشرة في تعيين رئيس الأركان ومدير المخابرات ، ولم يعد الأمر بحاجة إلى إرادة ملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزراء .
ولأن البلد مقبل على استحقاقات قد يكون من ضمنها تشكيل حكومات برلمانية كمقدمة للحكومات الحزبية ، أو عواصف عاتية من عدم استقرار إضافي في المنطقة ، فإن الأمر يتطلب النأي بالقوات المسلحة والمخابرات عن أي سجالات نيابية وسياسية وحزبية وغيرها ، بحيث يظل رأس الدولة ، وهو هنا جلالته ، صمام الأمن والأمان للاردن والأردنيين ، كما هو شأنه دائما .
د . فطين البداد