مخيمات الفلسطينيين في الأردن " جزر معزولة "
لا يكاد يمر أسبوع في أي مخيم فلسطيني في الأردن ، إلا ويشهد انفلاتا أمنيا قد يكون شجارا أو إغلاق شارع أو ما شابه ، وآخره ما جرى في مخيم البقعة نهاية الأسبوع ، عندما تجمع عدد من أصحاب البسطات وبدأوا بإلقاء الحجارة على دائرة الشؤون الفلسطينية ، متهمين إياها بأنها لا تراعي حاجات أبناء المخيم ، وأنها السبب وراء ملاحقتهم في أرزاقهم ، وهدم بسطاتهم ومنعهم من البيع و " طلب الرزق " الأمر الذي تسبب باعتقال عدد من الأشخاص .
وبغض النظر عما يقول هذا وذاك ، فإنه آن الاوان أن توضع قضية المخيمات تحت الضوء ، وأن تتم معالجة هذا الملف بكل حكمة وروية وبالشكل الذي لا يؤثر سياسيا على حق العودة ( إن كان هناك من يريد أن يؤكد على ذلك ).
المخيمات ، ولمن لا يريد أن يعترف ، تشكل جزرا معزولة عن أرض المملكة الأردنية الهاشمية ، رغم أن الأردن والحكومات الاردنية المتعاقبة لم تأل جهدا في خدمة أهلها بقدر استطاعتها وضمن إمكاناتها المحدودة ، والحكومة نفسها تعترف بأن المخيمات بحاجة إلى مزيد عناية ، وهي تتواصل - لهذه الغاية - مع الأمم المتحدة ووكالة الغوث وغيرهما ، ومن أجل ذلك عقدت لجنة فلسطين النيابية نهاية الأسبوع لقاء مع زير البلديات ووزير التخطيط من أجل الوقوف على مشاكل وحاجات المخيمات الفلسطينية في الأردن ، فلقد بات الأمر يتطلب نفض السجل ، ولا ابالغ إذا قلت وقفة وطنية شاملة :
لقد ضاقت المدارس بطلبتها ، وبات من العسير توفير قطع أراض لبناء مدارس جديدة ، ووزارة البلديات معنية بأمر مثل هذا ، وإذا لم يقف الأمر عند المدارس فإنه لا بد لنا من الإعتراف أن تكاتفا للجهود يجب بذله من أجل الضغط على الأونروا لتزيد من نشاطاتها على الصعد كافة : الصحية والتعليمة والخدمية ، وأن لا تعتبر وزارة البلديات أي مخيم من المخيمات الثلاثة عشر الموجودة في الأردن خارج سلطتها أو إدارتها كما يحدث الآن ، فبإمكان الوزارة تفعيل دورها بعد انتهاء دوام الاونروا ، ولا بأس من أن تعمل دائرة الشؤون الفلسطينية بشكل استثنائي غير مرتبط ( من حيث الدوام ) مع دوام وزارة الخارجية بعد تحسين موازنتها ، من أجل أن تظل حاضرة مساء ، لأن أي مكرهة صحية في أي مخيم لن تقتصر أمراضها على سكان المخيم ، بل ستمتد لكل مواطني البلد ، وعليه ، فمن مصلحة الجميع أن تنعم المخيمات بخدمات جيدة على كافة الصعد .
ولقد علمت أن أيا من مخيمات الأردن لا يوجد فيها لودرلات أو ضاغطة نفايات ، فكيف سيتم جمع النفايات من الازقة والحواري والمدارس ، ناهيك أن أحياء بكاملها في المخيمات لا تصلها أيادي عمال النظافة أصلا ، وليس مخيم حطين عن ذلك ببعيد ، حيث إن هناك أحياء في هذا المخيم الواقع بين الرصيفة والزرقاء لا يتبع لأي كان : لا لوزارة البلديات ولا لدائرة الشؤون الفلسطينية أو غيرها ، وتتكدس فيه النفايات بشكل مؤذ وخطر ، فهل يجوز لوزارة الصحة الأردنية أن تقول : إن مسؤولية ذلك تعود على الأونروا أو لجنة تحسين المخيم ، أو دائرة الشؤون الفلسطينية ، أو غيرهم ؟ وهل سيظل موقف الوزارة كما هو الآن إن انتقل مرض ما من المخيمات إلى المحيط لا سمح الله ؟ .
وأضرب مثالا آخر على تهرب الحكومات المتعاقبة من مسؤولياتها ووضعها هذه المسؤوليات على الأونروا والشؤون الفلسطينية ، بما أمر به الملك من حيث السماح لسكان المخيمات ببناء الطابق الثالث ، وهو أمر لا تنفذه دائرة الشؤون الفلسطينية وتضع أمامه العصي بدعاوى شتى ، مع علمها أنه لا مساحات جديدة في أي مخيم ، وكان الحل في السابق ببناء الطابق الثاني ، ولما ضجت المخيمات بأهلها مع زيادة عدد السكان ، اشتكى الأهالي لجلالته خلال زيارته للمخيمات فأمر بالسماح ببناء الثالث ولكن الأمر الملكي لم ينفذ ، ولم يسأل أحد لماذا ، وظل الناس يعيشون كالسردين ، فلا هم مسموح لهم توسيع منازلهم عاموديا ، ولا هم مسموح لهم بالتوسع أفقيا ، فماذا يفعلون ، وهل يكون صحيحا أن يتكدس ثمانية أو عشرة أنفار في غرفة واحدة ؟ .
.
هل يصدق أحد أن مخيما بحجم مخيم البقعة لا يملك " جرافة " مثلا ، فكيف سيستقيم الأمر مع معايير الخدمة والصحة والأمن الإجتماعي ؟ وهل يصدق أحد أن مصابيح الأعمدة التي تحترق في شوارع المخيمات لا بديل لها ، وأن وزارة البلديات ليس من اختصاصها إعادة إنارة عشرات الأزقة والشوارع المطفأة ؟ .
ولكي لا أتهم بالمبالغة ، فإني أضرب مثالا بموازنة دائرة الشؤون الفلسطينية التي هي الجهة الرسمية المسؤولة عن مخيمات الفلسطينيين في الأردن ، فهل من المعقول أن تكون الموازنة السنوية لهذه الدائرة مليون دينار فقط ، دون أن ننسى أن 90 % من هذا المبلغ المضحك تذهب كرواتب ، فكيف ستقدم هذه الدائرة الهامة خدماتها للناس وهي خاوية الجيوب؟ .
وإذا أضفت لما سبق شيئا لا يعرفه كثيرون ، فإن الأمر سيلخص الحالة ، وهو أن أراضي المخيمات في الأردن أنشئ بعضها على أملاك خاصة لافراد ، ومن أجل ذلك فإن هناك قضايا في المحاكم تطالب باسترجاع الأرض التي بني عليها مخيم ما ، وهو ما ينبئ بأن كل ما يتعلق بالمخيمات في الأردن يتم معالجته خبط عشواء .
ألم أقل لكم إن مخيمات الأردن جزر معزولة ؟؟ .
د. فطين البداد