استطلاع مركز الدراسات وهموم الأردنيين
لا تكاد نتيجة استطلاع الرأي الذي أجراه مؤخرا مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ونشرت نتائجه نهاية الأسبوع : لا تكاد تختلف عما يشعر به الأردنيون فعلا ، من أن الهم الإقتصادي ، كما قلنا سابقا ، هو أهم تحد يواجه الأردن .
وبظهور هذه النتيجة ، يكون ما قاله الملك عن أن الأقتصاد هو أهم تحد يواجه الأردن في المرحلة القادمة من جنس ما يقوله الناس : الملك في لقاء تلفزيوني ، والشعب في استطلاع علمي .
غير أن اللافت في هذا الإستطلاع الذي جاء تحت يافطة " التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية بعد الربيع العربي " هو حصول الإقتصاد على اهتمام أكبر من أي تحديات أخرى ( 87 % ) بما فيها الفساد السياسي الذي جاء بنسبة 36 % من المستطلعة آراؤهم ، محتلا المرتبة الثانية ، بالتوازي مع فساد موظفي القطاع العام الذي احتل نسبة 34 % .
إلا أنه وبرغم هذه التحديات ، فإن الأردن ينعم بأمن وأمان قل نظيره في العالم ، إذ أجاب 95 % من المستطلعة آراؤهم أنهم يشعرون بالأمان في بيوتهم نهارا ، و88 % يشعرون به ليلا .
وهناك " ومضة " يجب الإلتفات إليها في هذا الإستطلاع ، وهي " التكافل" أو إن شئتم " التعاون الإجتماعي " حيث أفاد 80 % من المستجيبين أن " الجيران " يقدمون لهم المساعدة إذا احتاجوا إليها ، وهي إشراقات اجتماعية أردنية بامتياز ، يجب أن لا نغفلها .
وتناول الإستطلاع كثيرا من الملفات والتحديات الأخرى مثل العمالة والنظام الديمقراطي ، والنظام البرلماني وغيره .
و ما توقفت عنده في المؤتمر الذي أعلن نتائج الإستطلاع هو ما قاله الدكتور خالد الكلالدة ، وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية ، الذي كان حاضرا ، عندما بدأ يكيل الإتهامات يمنة ويسرة للربيع العربي ، ومن ضمن ما قاله الوزير : "لأن الربيع، ترجمة الحياة بعد فصل الشتاء والمطر والعواصف الثلجية، لهذا أريحونا بالله عليكم من مصطلح الربيع العربي الذي أصبح يعني الموت والدم والتشريد، والإرهاب واللاجئين، والحرب الأهلية والطائفية والإقليمية، وغير ذلك من مصطلحات الدمار والقتل".
هكذا إذن يرى وزير الأردن للتنمية السياسية الربيع العربي ، ناسيا بأن هذا الربيع انطلق هاشميا منذ ما يقرب القرن من الزمان ( الثورة العربية الكبرى) والتي لولاها لمحيت الهوية العربية واندثرت في غياهب التاريخ ، مع اعترافنا أن الخداع الدولي ونكثه بعهوده آنذاك هو الذي مزق الأمة التي ثارت في حينه لتكون في جزء مهم منها دولة واحدة ، ورغم ذلك ، أي رغم هذا التشتت وهذه التجزئة ، فقد ظلت الهوية العربية حاضرة ، حتى وإن بـ " القُطرية " التي نشهد آثار ربيعها هذا الأوان في أكثر من بلد عربي عزيز رغم الآلام والدول العميقة .
وحديثا ، فقد سبق الاردن ثورات الربيع العربي من خلال العملية الإصلاحية التي بدأها وقادها الملك ، واجتاز الأردن بسببها مرحلة الخطر ، وها هو شعبه يقر بأنه آمن مطمئن ، وبأن الهم الإقتصادي هو كل ما يشغله الآن ، رغم ما يجري في المحيط والإقليم .
ليس صحيحا أن الربيع العربي هو الذي جاء بالموت والدمار والطائفية ، كلا ، بل هم أولئك الحكام الناشزون الذي جاؤوا على ظهور الدبابات ليقصموا ظهور الشعوب ، ولنا بـ " الأسد أو نحرق البلد " خير دليل وأنصع برهان لكل من أراد أن يلقي السمع وهو شهيد.
د. فطين البداد