نواب الأردن والموازنة وكعب بن زهير
اعتقد كثيرون بأن رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور سيرد على الإتهامات التي طالته بشكل مباشر خلال نقاشات الموازنة ، خاصة في ما يتعلق بتعيينات تخص خاصته أو غيرهم ، إلا أنه لم يفعل ، وهو ما فاجأ الجميع .
أذكر ، ذات حكومة ، نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم ، كيف أن نائبا أردنيا اتهم رئيسها آنذاك مضر بدران بأنه فعل وفعل ، وبأنه يملك أراضي غير قانونية في جرش وغيرها ، وأذكر كيف أن بدران ، المخضرم ، وخلال جلسة التصويت على الثقة في البرلمان الحادي عشر ، لم يخرج من التصويت بريئا من التهم التي وجهت إليه فحسب ، بل خرج ولديه شعبية كبيرة ، حيث تعاطف معه الأردنيون حينها ووقفوا إلى جانبه ضد النواب " الثقال " الذين كان يموج المجلس والشارع والقاعات بهم وبمداخلاتهم ومؤتمراتهم .
كان ذلك برلمانا حقيقيا معبرا عن الشعب بمختلف أصوله ومنابته ، وكان أعضاؤه يمثلون الناس من أقصى الأردن إلى أقصاه ، دون أن يعني هذا أن النواب الحاليين يمثلون أنفسهم فقط ، بل إن مقاربة في الأداء والتمثيل بين المجلس الحادي عشر وما تبعه من مجالس حتى السابع عشر الحالي ، تصبح مجرد نكتة لبعد الهوة وعبثية المحاولة ، وذلك لفارق في قانون الإنتخاب الذي بدأ أخيرا يعود لقوته وعنفوانه ، والنواب الفضلاء يعرفون ذلك بلا شك .
في جلسة التصويت المسائية على موازنة 2016 ، تمكن النسور من أن يجتاز الحواجز بأريحية ، مكتفيا بأن وضع أرقاما على شاشات قبالة النواب ، قارئا الأرقام والإنجازات ، بالإضافة إلى اعتماده هجوما ناعما في نفي " الجباية " عن حكومته ، وهو وصف التصق بها وتضمنته كلمات النواب .
التصويت على الموازنة حدث يتكرر سنويا وبنفس النتيجة ، حيث اختفى صدى الصراخ والإتهامات والوثائق التي برزت في المناقشات ، وظهرت السكينة والرضا على أغلب النواب الذين كانوا قد شحذوا هممهم وسنوا ألسنتهم وأقلامهم ووضعوا النسور لعدة ايام تحت المطرقة .
لقد كان مشهدا لافتا حينما كانت مقررة اللجنة المالية تقرأ القانون مادة مادة ، وفقرة فقرة ، وتسأل : " موافقة " ؟ فيجيبها النواب " موافقة " ، وهكذا كرت المسبحة .
بموافقتهم على الموازنة ، يكون النواب قد طبقوا حرفيا المثل العربي المأثور الذي ضربه كعب بن زهير حين قال " أوسعتهم شتما وفازوا بالإبل " !.
د. فطين البداد