الأردن ومؤتمر المانحين من أجل سوريا
تحدث الملك الأسبوع الماضي أمام مؤتمر المانحين من أجل سوريا في لندن بكل مباشرة ، حينما شخص الحالة الداخلية اقتصاديا واجتماعيا ، جراء تحمل البلد موجات بشرية نفخر - كأردنيين - باستقبالها وتقاسم الحياة معها كما هو دأب هذا البلد وشعبه الأبي ، ولقد عول الأردن كثيرا على هذا المؤتمر وتحضر له قبل حلوله بأسابيع ، وسبق للملك أن حث الحكومة والنواب على أن يكونوا إيجابيين وأذكياء وأن لا "يخربوا " نتائج المؤتمر ومخرجاته من خلال تصريحات قد تؤثر على حصة بلدنا المشروعة من المساعدات الدولية .
وسبق كلمة الملك لقاء أجرته معه بي بي سي تطرق فيه إلى ذات القضية ، وإلى أبعادها المختلفة ، وخاصة " البعد الأمني " في ما يتعلق باقتراب المعارك في سوريا من حدود الأردن واحتمال قدوم موجة بشرية هائلة لا قبل للأردن بها ، ومن أجل ذلك ، تحدث جلالته وللمرة الاولى عن أمر يخص البعد الدولي : " إن عدم إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته سيرتب على الأردن مواقف صارمة ، وإن هذا خط أحمر لا يجوز اللعب به ، ليس لأن الأردن يطلب مساعدات، بل لأن هذا البلد يتحمل عن المجتمع الدولي بأسره تبعات خطيرة ، خاصة وأننا رأينا أوروبا الثرية والمترفة تنأى بنفسها عن استقبال لاجئين .
يستقبل الاردن اللاجئين ، وسط تداخلات إقليمة ودولية خطيرة في الساحة السورية ببعدها المحلي والعربي والإقيمي والدولي ، ويفعل ذلك بعد أن يتم التحقق من الأسماء أمنيا لأسباب أملتها التهديدات التي تلقاها من قبل داعش ولوجود صلة بين مندسين وبين أبرياء قدموا إلى بلدنا هاربين من بطش النظام المجرم ، الذي يقتل بـ " شهوة " سادية ، وهو ما عكسته وعبرت عنه تصريحات بشار الجعفري الذي يتحدث عن الوضع الداخلي في بلده المدمر وكأنه يتحدث عن عالم آخر خارج المجموعة الشمسية .
نعم ، إن من واجب الأردن أن يستقبل اللاجئين بموجب اتفاقيات دولية وقع عليها ، ولكن من واجب العالم الذي يتفرج على معاناة الاردنيين أن يقدر لهذا البلد وقوفه الدائم ضد الإرهاب والإرهابيين ودوره في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ، إذ إنه ولولا الأردن لتغيرت معادلات كبرى في المنطقة ، ولانزاحت حدود وهلكت بلدان وشعوب ولتبدلت الجغرافيا السياسية وترسخت الخرائط الديمغرافية الجديدة .
قال الملك : " إن ما نطالب به المجتمع الدولي، ولأول مرة، هو مساعدة الأردن، الذي طالما وقف إلى جانبكم ودعمكم بقوة، فلا ترفضوا مساعدته " .
لقد ترك تنظيم داعش الإرهابي أثرا حتى على جميع من فر من الموت والقتل ، بعد أن دس في صفوف لاجئي أوروبا أشخاصا انتحاريين نفذوا هجمات باريس ، والأردن يعلم أنه مستهدف ، وعندما يدقق أمنيا على الأشخاص ، فإن هذا لا يعني أنه يتخلى عن اشقائه ، بدليل كل هذه الجموع العزيزة من ابناء سوريا الحبيبة الذين ينعمون في بلدهم الثاني بالأمن والامان ، والمطلعون منهم يعذرون الاردن بسبب ضيق ذات اليد التي يعاني منها الأردنيون في الأساس ، فالعين بصيرة واليد قصيرة ولكننا في الأردن ، وهذا لسان حال غالبية الأردنيين - لن نتخلى عن إخواننا مهما كانت التضحيات وحجم التحديات .
لم نعرف بعد على وجه التحديد ، حجم المبالغ التي خصصها المؤتمر للأردن ، ولكن نأمل أن لا تذهب الجهود التي بذلناها أدراج الرياح ، لا سمح الله .
د. فطين البداد