عيد ميلاد الملك.. العاصفة الثلجية.. استجواب رئيس الحكومة
( 1 )
مبروك لسيد البلاد وباني نهضتها المعاصرة
في الثلاثين من كانون الثاني من كل عام ، تطل على الأردنيين مناسبة عزيزة غالية ، تحمل في رحابها عبق انبلاج فجر جديد لمملكة رابعة ، دخلت القرن الحادي والعشرين برأس مرفوعة ، وعزم لا يلين ، وآلت على نفسها إلا أن تكون في المقدمة : سلاما وطمأنينة وبهجة ، وواحة أمن في محيط مضطرب .
ذكرى ميلاد الملك عبد الله بن الحسين تذكرنا بلحظات عزيزة من عمر الراحل الكبير ، وهو يزف للأردنيين بصوته الحبيب ميلاد شبل هاشمي نذره والده للأردن وللأمة حين قال : " "مثلما أنني نذرت نفسي منذ البداية لعزة هذه الأسرة ومجد تلك الأمة ، كذلك فإني قد نذرت عبد الله لأسرته الكبيرة، ووهبت حياته لأمته المجيدة.. ولسوف يكبر عبدالله ويترعرع في صفوفكم وبين إخوته وأخواته، من أبنائكم وبناتكم، وحين يشتد به العود ويقوى له الساعد، سيذكر ذلك اللقاء الخالد الذي لقي به كل واحد منكم بشرى مولده، وسيذكر تلك البهجة العميقة، التي شاءت محبتكم ووفاؤكم إلا أن تفجر أنهارها، في كل قلب من قلوبكم، وعندها سيعرف عبدالله كيف يكون كأبيه الخادم المخلص لهذه الأسرة، والجندي الأمين، في جيش العروبة والإسلام ".
إنها كلمات خالدة ، لكأن قائلها يستنبئ المستقبل الذي سيكون ، فكان ، وها هو عبد الله الثاني ، يحمل الأمانة ، وهمّ أمة تواجه خطرا لم يسبق له مثيل ، بعد أن حاولت فئة ضالة من ابنائها تشويه صورة رسالتها الخالدة ، فكانت رسالة عمان ، وكانت وسطية الإسلام التي أشهرها الملك عابقة في كل المحافل الدولية ، وها هو يحمل هم القدس وينتزع ولايتها انتزاعا رغم كيد الكائدين وحسد الحاسدين ، فرغم معاهدة وادي عربة ، فإنه ولأول مرة يقول متحدث رسمي أردني : إن المعاهدة ليست قرآنا يتلى إذا كان الأمر يتعلق بالأقصى والقدس ، وبعد حزم أردني وعزم لا يلين يصدر مجلس الأمن قرارا يذكر بولاية الاردن على المقدسات والقدس رغم أنف إسرائيل التي وافقت مرغمة على تركيب كاميرات مراقبة ، ليعرف الأردن حركات قطعان المستوطنين والجنود في الحرم الشريف ، وهي إنجازات كبيرة وسط انشغال كل الأمة بهمومها الذاتية ومشاكلها القطرية ، ولكن الاردن الكبير بشعبه وبقائده يحمل الأمانة ويذود عنها ذود الأسود عن العرين ، وقس على القدس كل ملفات المنطقة ، وأخطرها الإسلاموفوبيا التي تسبب بها لشعوب الأرض تنظيم إرهابي جبان ، قتل وذبح ودمر وهدم باسم الدين وباسم الإسلام ونبي الإسلام ، والإسلام منه براء .
إن بقاء الأردن واحة أمن وأمان رغم ما يجري حوله يعتبر معجزة المعجزات ، ففي الوقت الذي يموت فيه الأشقاء جوعا في داخل أوطانهم وفي مختلف مناطق اللجوء ، رأينا الأردنيين يلقون " بطرا " أكياس الخبز في الشوارع في مشهد أليم ليس من الدين في شيء ، ولكن ذلك ، وبرغم أنه كبيرة من كبائر البذخ والتبذير الحرام ، إلا أن له دلالات معيشية عن أن هذا الشعب بخير بفضل الله ، وأذكر هنا بأنه بالشكر وليس بالكفر تدوم النعم ، وحذار من بطر النعم لكي لا يحرمنا منها رب السموات والأرض الذي رزقنا إياها بنعمة منه وفضل ومن دون حول لنا ولا قوة ، وهو ما يجب أن يعيه الأردنيون ، خاصة أولئك الذين اشتروا 80 مليون رغيف خبز تحوطا لعاصفة ثلجية موهومة وألقوا ثلثها على الأرصفة .
إن الذي يعرف الإقتصاد ، يدرك بأن بقاء الأردن إلى الآن ، في ظل مديونيته وعجز موازناته وما يجري في محيطه يعتبر أمرا خارقا في حد ذاته ، وإلا فإن بلدا يعيش نفس ظروفنا الإقتصادية لا بد أن يكون قد انهار منذ زمن ، ولكن الله تعالى ، ومن ثم القيادة الهاشمية المظفرة ، ووعي شعبنا العظيم ، وأجهزتنا الأمنية القادرة ، وقواتنا المسلحة الباسلة ، أنجانا من ويلات ومصائب كنا لن نخرج منها سالمين إذا أدخلنا ظروفنا مجتمعة أو منفردة في علم الرياضيات والآلات الحاسبة .
كل عام والأردن وشعب الأردن وقائد الأردن العزيز الغالي بألف خير .
***
( 2 )
العاصفة الثلجية وخبز الحاويات
أمانة عمان مستنفرة ، آلياتها وجرافاتها موزعة ضمن خرائط ، ماتورات نثر الملح تهدر من بعيد تتحضر للإنقضاض بعد أن ركنت في الشوارع الفرعية والرئيسية ، الحكومة جاهزة ، الدوام تم تأخيره للساعة العاشرة ، الجامعات أشهرت أيام عطلتها ، الشاحنات المحملة بمئات أكياس الطحين " الإضافية " تعبر بالعشرات في اتجاه المخابز ، الدفاع المدني تجهز واستعد وحذر ،الأمن العام كذلك ، كل هذا وغيره ، جاء استباقا لقدوم الغول الأبيض ذي الأنياب الحادة .
كان موعد الثلج ليل الأحد - الإثنين ، ولم " يقصر " الأردنيون كالعادة ، فمنهم من وقف في طابور الخبز لساعات لكي يحظى بكيلوات إضافية ، ومنهم من اشترى الطحين تحسبا لأنقطاع الطرق ، ولأنهم - وفق دراسات - حصلوا على المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا في التدخين ، فقد توجب التحوط ، وعليه ، تم ضخ مئات " الكراتين " من مختلف أصناف السجائر إلى الأسواق لتغطية العجز وإكمال "المسيرة" .
مواطنون محرومون من رؤية الثلج في محافظات أخرى قدموا زرافات ووحدانا إلى أقاربهم في عمان لقضاء عدة ايام للتمتع بالزائر الجميل النادر الذي لا يرونه البتة في مناطقهم المنخفضة .
مضت ليلة الأحد الإثنين ، ولا ثلج في الأفق ، و فورا ، غيرت دوائر الأرصاد من توقعاتها ، وأخرت موعد الهطول إلى ليل الإثنين ، وما أن انتهى نهاره ، حتى قيل : إن الثلج سيهطل بغزارة صباح الثلاثاء ، وصدق الأردنيون كالعادة ، وظل الزحام وظلت " الأزمات " على حالها بل أشد وأنكى ، وانتظروا ، ولكن الثلج المزعوم ليس له أثر ، فاستيقن الناس بأنهم خدعوا ، وأن المتنبئين الجويين في الأردن" يغشون " من بعضهم البعض أو من أرصاد أخرى ، ذلك أن جميع تنبؤاتهم لم تكن سوى ضرب بالرمل وكلام فارغ .
الحكومة المخدوعة هي الأخرى ، لم تسكت ،فقد وضعت في موقف " بايخ " بعد قرارات الإستنفار وتأخير الدوام وخلافه ، ومن فوره ، زار الدكتور النسور دائرة الأرصاد وعنف مسؤوليها من خلال تأكيده بأن الخطأ في التنبؤات الجوية يضرب الإقتصاد الوطني في أكثر من وجه ، ولم يعرف بعد هل سيكون هناك إجراءات ضد البعض أم لا .
كل ما قلناه آنفا عاشه الأردنيون وبات معروفا لديهم ولغيرهم ، ذلك أن قنوات فضائية كبيرة تهكمت علينا وبعضها حاول مواساتنا ، والبعض الآخر ركز على الإحتياطات التموينية الأسرية في مثل هكذا حالات ، إلا أن ما يخشاه المراقبون هو أن يكون إتلاف أطنان الخبز في الطرقات بل وأحيانا الحاويات كما شاهدنا ، ذريعة للحكومة من أجل التسريع في رفع الدعم عن الخبز ، على طريقة : إضرب والحديدة حامية ، وأذكر هنا بذريعة سابقة إبان حكومة البخيت عن أن الخبز يقدم للمواشي فتوجب رفعه ، ولعل التاريخ هنا يعيد نفسه .
***
(3 )
لماذا لا يجوز استجواب رئيس الحكومة في الأردن ؟
دافع الدكتور النسور يوم الثلاثاء الفائت في البرلمان عن رأي طرحه النائب سعد هايل السرور ، وهو أن رئيس الحكومة لا يجوز استجوابه من قبل النواب ، ومضى الأمر على هذا الرأي ، وسحب النائب الذي طلب الإستجواب طلبه .
كما ونوه رئيس الحكومة بأن رفع الأسعار شأن حكومي بحت ، وإن دور مجلس النواب هو رقابي فقط ولا يحق له التدخل بالقرارات التنفيذية ، بما فيها رفع الأسعار، الأمر الذي يفهم منه بأن دور النواب بات معطلا ، حتى لو تم الإبقاء على استجواب الوزراء دون رئيسهم ، أو تم رفع أسعار الخبز الذي " ألقي في الحاويات وعلى الطرقات " وفق ما فهم البعض ، ولكن :
إذا لم يستجوب النواب وزراءهم ورئيس حكومتهم فمن يستجوبون إذن ،ألم تقل المادة 51 من الدستور إن : رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة ، كما أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته " .
وعندما اتحدث عن رئيس الوزراء فإني لا أعني الدكتور النسور بصفته الشخصية ، وهو يعرف بأني لا اقصده بالذات ، بل أعني كل رئيس وزراء أردني ، اليوم وغدا .
منذ متى أعطى الدستور حصانة لرؤساء الحكومات في الأردن ، إذ لا حصانة إلا للملك بنص المادة 30 من الدستور التي تقول : " الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية " .. الحديث هنا عن الملك فقط ، وأيضا : فإن الملك يمارس صلاحياته بإرادة ملكية وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين ، يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة " ( المادة 40 ) أي أنه وحتى الإرادات الملكية توقع من قبل الحكومة ، بمعنى أن الحكومة هي صاحبة الولاية التنفيذية في الدولة فكيف يكون لمن هو رئيس للسلطة التنفيذية حصانة من تبعات الإستجواب النيابي وخلافه ؟؟ .
أعتقد أنه لا يجوز أن يمر ما قاله دولة الدكتور النسور مرور الكرام حتى لو تطلب الأمر الذهاب إلى المحكمة الدستورية التي أنشئت بموجب التعديل الأخير للدستور ، لكي لا يعتبر ما قاله رئيس الحكومة ، وما قاله السيد السرور مرجعا للنواب ، وسببا في تعطيل استجواب الرئيس ، وإلا ، فإنه لا معنى للرقابة النيابية على أعمال الحكومة .
أذكر أنه ذات حكومة ، منع النواب من تقديم أسئلة تتضمن أسماء حتى لو كانت هذه الاسماء موضع سؤال ، حيث باتت إجابات الحكومة على اسئلة النواب خلوا من أي إسم حتى لو كان صاحب هذا الإسم شرب البحر وأكل اليابسة ، وقد استندت الحكومات في ذلك إلى فتوى من المجلس العالي لتفسير القوانين حينها ، فلماذا لا يكرر النواب الإستفسار من جهات دستورية أعلى ، لعل وعسى أن يتمكنوا من معرفة أسماء المخالفين ممن جلسوا في دفة القيادة العامة للمؤسسات والدوائر وخلافها ، لأن إجابات الحكومات الحالية خالية من الدسم ، وتبدو وكأنها تغطية على أشخاص إن ثبت فسادهم فإنه يجب فضح أسمائهم على رؤوس الأشهاد وليس حذفها من قوائم الإجابات الحكومية على أسئلة نيابية فقدت بموجب هذه التطورات التفسيرية كثيرا من بريقها وجاذبيتها ، والأهم مصداقيتها .
على النواب أن ينتفضوا ويلجأوا للمحكمة الدستورية ، لنعرف لماذا لا يجوز استجواب رئيس الحكومة في الأردن ؟ .
د. فطين البداد