كيف نتعامل مع الإرهاب ؟
عبرت سيدة أردنية التقتها المدينة نيوز في إربد ، عقب العملية الأمنية ، وبطريقة عفوية صادقة ، عن الموقف الجمعي للأردنيين من الإرهاب ، والتطرف والتكفير .
السيدة المذكورة التي استوقفتني بحديثها البريء للكاميرا ومن دون موعد ، كانت تفيض صدقا ووطنية وولاء وانتماء ، وفي نفس الوقت ، بغضا وكرها للمتطرفين الذين كانوا يريدون سوءا بالأردن وأهله .
وقياسا على هذه السيدة الأردنية ، التف شباب وأطفال حولها هاتفين بحياة الأردن وقائده ، ومعبرين عما يجول في خواطر الجميع : من أن هذا البلد الأشم سيظل عصيا بإذن الله على الإرهاب وكل من يناصره أو يدعو إليه كائنا من كان ، أردنيا أو أجنبيا ، في الداخل أو الخارج.
وإذا كانت الدولة يقظة بأجهزتها الأمنية وبقواتها المسلحة ، وبشعبها بمختلف فئاته ، فإن اليقظة وحدها ليست كافية للوقوف في وجه الإرهاب الذي هو ليس فقط : رشاشات وصواعق تفجير وأحزمة انتحارية ، إذا لم يكن رديف ذلك كله استراتيجية وطنية شاملة وعملية ، تشترك فيها المدارس والجامعات ، والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والمساجد والبيوت ، ينبثق عنها فهم شامل لهذا الخطر الداهم ، ومن ثم خطة محكمة لمواجهته ، بحيث يصبح كل مواطن قناة تلفزيونية ، ومحطة إذاعية ، وصحيفة ، وموقعا إخباريا ، وصورة ، وصفحة على الفيس وتويتر ، و رجل أمن ، وجنديا ، إلخ .. لأن ما نواجهه ليس تنظيما ماديا فحسب ، بل هو " أفكار " لا تحدها حدود ، ولا تقيدها قيود .
أعود بالذاكرة إلى ما عرف بـ " الجماعة الإسلامية " في مصر ، تلك التي انطلقت في السبعينات وامتدت إلى الثمانينات وبعض أجزاء من تسعينات القرن الماضي ، ومن أبرز وجوهها الآن عمر عبد الرحمن المحكوم بالمؤبد في الولايات المتحدة ، وهي جماعة بنت نفسها على العنف والإرهاب وتمكنت الدولة المصرية من اجتثاثها من منطقة الصعيد وجامعاتها ، ولكن المصريين - في نفس الوقت - كانوا بارعين في مناقشة هؤلاء الغلاة ، عبر سنوات ، إلى أن تمكنوا بواسطة دعاة محترفين ذوي مصداقية ، من إقناع جميع من انتسب إلى هذه الجماعة المتطرفة - في حينه - بأن يراجعوا مفاهيمهم العقدية ، وأسس مدارسهم الشرعية ، إلى أن أصدر زعماء هذه الجماعة وهم في السجون " مراجعات " نشرت على الملأ ، اعترفوا فيها بأنهم كانوا خاطئين ، وبأن منهجهم الذي بنوه على العنف والقتل لم يكن من الإسلام في شيء، وكذلك الأمر ما وقع في موريتانا ، حيث أوكلت الدولة هناك للداعية العلامة محمد الحسن الددو الشنقيطي الذي قضى مدة طويلة في السجون ، مهمة محاورة الغلاة والمتطرفين ، إلى أن تمكن منهم ، ومن إقناعهم بأنهم خاطئون ومفترون على الدين ، وكذلك استعين به في السودان وفي بعض الأقطار العربية والإسلامية ، وها إن البعض منهم الآن من أشد محاربي التطرف والغلو ، ومنهم مفتي تنظيم القاعدة السابق الشيخ محفوظ ولد الوالد الذي تستضيفه الفضائيات العربية والأجنبية الآن خلال حواراتها وبرامجها عن التطرف والمتطرفين ، وعليه قس ما استحدثته السعودية من مراكز مراجعات إصلاحية لهؤلاء ، حيث نجحت في استتابة كثير منهم إلخ ..
وبالتأكيد ، فإن الحوارات التي أتحدث عنها لا يجب أن تشمل الذين يحملون السلاح ويخططون لزعزعة الأمن والإستقرار ،أو الذين مارسوا العنف ، فأولئك ليس لهم إلا السيف ، بل أولئك الذين وقعوا في مصيدة هذا الفكر الإجرامي ، عبر الأنترنت وخلافه .
وإذا كان البريطانيون بعثوا أئمة مساجد بريطانيا قاطبة إلى العراق ليقفوا على حقيقة داعش وأعمالها ، ويتسلحوا بالعلم والدراية لما فعله هذا التنظيم بالمدنيين الأبرياء وبالمدن التي دمرها والخراب الذي أحدثه ، لينقلوا كل ذلك إلى مسلمي المملكة المتحدة فتحصنهم من هذا الفكر المتطرف ، فإن الأردن ليس بدعا من الدول المختلفة خاصة وأنه مضرب مثل العالم في الأمن والإستقرار والحكم الرشيد .
لقد وصل الأمر إلى أن نجد سبعة من ابناء هذا الوطن يحضرون لضرب مرافق مدنية وعسكرية وتفجير أسواق وقتل أبرياء ، ومثل هؤلاء لم يكن لهم إلا ما كان من تعامل أمني صارم وبلا رحمة ، وفي المقابل ، فإننا بحاجة ، كما قلنا ، إلى استراتيجية تحصن مجتمعنا من مثل هؤلاء ، ومن فكرهم المريض ، لأن ذلك أنجع وأولى ، استنادا إلى الحكمة القائلة : " درهم وقاية خير من قنطار علاج " .
وإذا كانت الحرب على الإرهاب والإرهابيين هي من صميم مسؤولية الدولة ، وأيضا من مسؤولية الجهات التي عددناها آنفا ، فإنها - كذلك - من مسؤولية المواطنين ، مجتمعين ومنفردين .
وأختم برسالة إلى كل أردني : تذكر أنك تقف على ثغرة من ثغور الأردن ، فلا يُؤتينَّ من قِـبلك !.
د. فطين البداد