منع الأجانب من الأستثمار في البتراء
لما كانت الأرقام مملة ، فإنني سأحاول الإيضاح بدون أرقام معقدة ، دون أن يؤثرذلك على متن هذه المقالة التي لن أستخدم فيها المصطلحات الإقتصادية لتكون أقرب إلى فهم المواطن العادي .
فلدى الإطلاع على نشرة البنك المركزي الأخيرة يتبين بأن الفاتورة النفطية انخفضت بنسبة عالية وبقيمة تصل إلى حوالي مليار ونصف المليار دينار بسبب انخفاض أسعار النفط ولأسباب أخرى .
وفي المقابل ، كشفت أن تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج طرأ عليها انخفاض ملموس ، وتجلى ذلك في شهر كانون الثاني من هذا العام 2016 مقارنة بالشهر نفسه من العام المنصرم ،وبقيمة تصل إلى 200 مليون دولار .
وغني عن القول أن أغلب تحويلات الأردنيين تنفق على الإستهلاك .
وكشفت كذلك انخفاضا في قيمة المستوردات من السلع " غير النفطية بأكثر من 11 % ووصلت إلى 14 مليار دينار تقريبا .
ماذا يعني هذا ؟ ..
يعني أن الأردني في الداخل ، والأردني في الخارج يعانيان ، وهذا واضح ، الأول لظروفه الموضوعية ، والآخر لظروف البلد الذي يعمل فيه أو لأسباب أخرى .
أما عن انخفاض أسعار النفط وأين يذهب الفرق فقد سبق لرئيس الحكومة أن رد على منتقديه مؤكدا بأن ما توفر يتم استثماره في قطاعات مختلفة في الداخل ( لم يتوقف مسلسل ارتفاع الأسعار بالمطلق ولم تنعكس أية مشاريع ترصدت تكاليفها من توفير النفط على حياة المواطنين ) .
أما إذا نظرنا إلى انخفاض تحويلات الأردنيين ، فإن الصورة تتضح أكثر ، وإذا أخذناها ببساطة ، نقول : لما كان هناك انخفاض في التحويل الخارجي ،فإنه يتحقق تلقائيا انخفاض في الإستهلاك الداخلي وهذا طبيعي لكون أغلب التحويلات الخارجية تنفق على الإستهلاك كما قلنا .
ووفقا لذلك فنحن أمام معادلة حتمية تقول :
تحويلات أقل تعني استهلاكا أقل ، وهذا يساوي ركودا أعلى ، وهذا الأخير ، يفسر سبب انخفاض الإستيراد .
ولكن يا ترى : هل ظروف المنطقة والإقليم فقط هي المسؤولة عن هذا الواقع ؟..
للإجابة عن مثل هذا السؤال نقول : لا ، بل إن سياساتنا الإقتصادية في الداخل تتحمل جزءا كبيرا من وزر هذا التدهور ، ونضرب " السياحة " مثالا على ذلك من باب التقريب وعليها قس بقية القطاعات .
فقد كشفت مصادر سياحية رسمية أن الأردن شهد خلال الشهرين الأولين من عام 2016 تراجعا بأعداد السياح بنسبة 9 % قياسا بنفس الفترة من العام الفائت .
وإذا أخذنا زوار البتراء مثالا ، فإن هيئة تنشيط السياحة كشفت بأن عدد السياح إلى البتراء تراجع خلال الشهرين المذكورين عن العام الفائت بنسبة 20 % .
لماذا ؟ .
قبل أيام شاهدت من على موقع المدينة نيوز فيديو لجلسة نيابية كانت تناقش قانونا عن إقليم البتراء ، فماذا كانت نتيجة نقاشات النواب في الجلسة التي عقدت الأسبوع الماضي وإلى ماذا انتهى هذا النقاش ؟ .
لقد تحولت الجلسة من جلسة نقاشية إلى مزاودات بين البعض ضد البعض الآخر ، وشاهدنا صراخا ونقرا على المقاعد وخلافه ، وكل ذلك لأن البعض طرح قضية مهمة ، وهي الخشية من أن يتسلل إسرائيليون إلى البتراء بلباس المستثمرين ويسيطروا على المدينة .
هذا موضوع مهم وخطير ، وأشكر النواب الذين طرحوه بقوة ، ولكن إلى ماذا انتهى النقاش ؟ .
لقد انتهى إلى أن يتضمن مشروع القانون نصا صريحا يحظر تأجير أراض وبيعها لحاملي الجنسية الإسرائيلية في الإقليم ، وهذا أيضا إنجاز مهم وضروري وبورك من اقترحه ،ولكن أن ينص القانون على منع غير الأردنيين من الإستثمار في المناطق الأثرية ، فإن هذا خطأ فادح .
هل نقول للأمريكي الذي يريد الأستثمار : إن عليك أن لا تقترب من البتراء لأنها حكر على الأردنيين ، وأمامك الصحراء اذهب واستثمر فيها ؟؟ .
من الذي سيطور البتراء ، إن منعنا حملة الجنسيات الأجنبية ( من غير الإسرائيليين طبعا ) من الإستثمار فيها ؟؟ .
إن الذي يريد تنشيط الإستثمار في الأردن ، وفي نفس الوقت يحظر على الأجانب الإستثمار في البتراء شخص لا يعرف معنى الأستثمار ، ولا يدرك مصاعب الإقصاد ، ويعيش في قمقم فرضته ثقافة الخوف من الآخر ، فكيف تمنع المدينة الوردية ، من المستثمرين بدعوى الخوف من الإسرائيلي ، ألسنا أكفاء لصياغة قانون يمنع الصهاينة من التملك في البتراء وغيرها ، وفي نفس الوقت نجلب مستثمرين لإحدى عجائب الدنيا السبع ؟ .
المفارقة ، أن الذي لا يريد استثمارا أجنبيا في الأردن هو نفسه الذي يقول للدولة الأردنية نهاية كل شهر : أريد راتبي .
د. فطين البداد