جدل الأردنيين حول التعديلات الدستورية والملك
الجميل في الأردن ، أنك تقرأ عن تعديلات دستورية تخص الملك بكل أريحية ، وتحت سمع وبصر وسائل الإعلام ، فالأردن ، كان ، ولا يزال ، نقطة مضيئة في شبه محيط مظلم ، إلا من رحم ربي .
معارضو التعديلات يقولون : إنهم لا يرغبون في أن يكون الملك طرفا في أي تعيين " مباشر " لكي لا يقع الأشخاص في المحظور ، والمقصود هنا ، أي اختلالات سلوكية أو شبهات فساد وبعضهم ضرب مثلا على ذلك بأشخاص يعرفهم الأردنيون ويقبعون في السجون .
كما وأنهم يدفعون في أن مثل هذا التعيين المباشر من قبل القصر يتعارض مع الدستور ، ومع الموروث الدستوري الأردني الذي يقول : إن الملك يملك ولا يحكم إلامن خلال وزرائه ، انطلاقا من أن الإرادات الملكية لا تعفي الوزراء والحكومات من مسؤولياتهم المباشرة عن قراراتهم .
وأيضا ، يذهبون إلى أن المراكز الحساسة في الدولة الأردنية ، لا تعين أصلا إلا بإرادة ملكية ، ومن أجل ذلك ، فإنه لا ضرورة إلى أن ينص على ذلك في الدستور ، طالما أن الملك - دستوريا - هو صاحب القرار الأول والأخير في مثل هذه القرارات وأنه ومنذ دستور العام 1952 يجري الأمر على هذا النسق وبنص الدستور ، وبتوقيع حكومي على الإرادة السامية .
غير أن الطرف الآخر ، والذي يدفع في اتجاه إقرار هذه التعديلات ، فإنه يرى أنها تحمي أصحاب هذه المراكز ، من قادة الأجهزة الأمنية والجيش ورئاسة المحكمة الدستورية وغيرها من تغول الحكومات ، بحيث لا يكون لأي حكومة أي تدخل في شأن هذه المواقع ، وبالتالي في بقائها أو إقالتها ، والمحكمة الدستورية مثال على ذلك ، فالحكومة هي التي تحول إلى المحكمة طلبات التفسير ، وليس مجلس الأمة ، فكيف نضمن أن تتخذ المحكمة قراراتها التفسيرية بعيدا عن التغول الحكومي ، وقس على ذلك تعيين أعضاء مجلس الأعيان ، الذين يعينون بتوقيع الحكومة على الإرادة الملكية ، فبغض النظر ، أكان التعيين مباشرا من الحكومة أم لا ، إلا أن لها شأنها فيه ، من خلال توقيعها ، وربما اختيار وتزكية أغلب أسمائها ، فكيف سيكون مجلس الأعيان رقيبا على حكومة لها ضلع في اختيار أو تعيين أعضائه ، ومن أجل ذلك يقولون : إن هذه التعديلات تعزز الفصل بين السلطات وفق زعمهم .
أما ما يدفعه البعض من مخاوف حول احتمال أن يرتكب بعض الذين يعينهم الملك مباشرة شبهات فساد أو غيرها ، وكل بني آدم خطاء ، وأنهم يريدون أن لا يكون للملك أي علاقة مباشرة في تعيينهم من أجل هذا ، فإن هذه قضية تطرح سؤالا هاما وهو أن تعيين هؤلاء في الأساس كان بإرادة ملكية ، ولما كان الدستور يحمي الملك من أي مسؤولية أو تبعية لأي خطأ يرتكبه المسؤول ، وفق نص الدستور ، فإن اللوم يقع تلقائيا على هؤلاء مباشرة ، فكل فاسد يتحمل مسؤولية فساده ، وكذلك فإن الحكومات تتحمل بدورها ، مسؤولية اختيارها ( هكذا يفترض ) ، وهنا يثير البعض هذا السؤال : هل تم معاقبة أو محاسبة الحكومات التي عينت بعض من تورطوا في الفساد ؟ طبعا لا ، ومن هنا ، يتضح أن الذي يدفعونه في رغبتهم أن يبتعد اسم الملك عن التعيين المباشر ليس سوى ذريعة ، لكون الحكومات لم تسأل في الأصل عن شبهات فساد وقع بها من وقعت الحكومات على الإرادات الملكية التي عينتهم .
أما ما يقوله البعض أن التعديلات فيها تناقض مع مواد في الدستور ، فقد رفض نائب رئيس الوزراء محمد الذنيبات هذا الأمر مؤكدا بأن لدى الحكومة مستشارين وقانونيين وأنهم لم يتقدموا بهذه التعديلات عبثا وبدون دراسة .
ويقول طرف ثالث : إذا كنا مقبلين على حكومات برلمانية ، فإنه يخشى أن يفوز حزب ما ، فيشكل حكومة ، وبالتالي يصبح متحكما بمركز القرار وبتعيينات أو إقالات المراكز الحساسة ،مع أن فوزه لا يعني أن يستأثر في الحكم ويقلب الطاولة ، ومن هنا جاءت التعديلات لكي يظل الملك هو صمام الأمان لهذا البلد ويمنع تغول أي حزب أو فئة على أخرى ، كما يقول هؤلاء .
ويظل جميع أصحاب وجهات النظر محقين في تعليلاتهم ومخاوفهم ، فالرافضون يدفعهم لهذا الرفض حب الأردن وجلالة الملك ، واستقرار النظام السياسي ، والموافقون على التعديلات يدفعهم في موقفهم حبهم وولاؤهم وانتماؤهم للأردن وكما قلت في استهلال هذه المقالة : يظل الأردن نقطة ضوء في شبه محيط مظلم .
حمى الله الأردن وشعبه وقائده وأبقى هذا البلد مضرب مثل في الديمقراطية والولاء والإنتماء .. آمين .
د. فطين البداد