المناهج الدراسية في الأردن : تطوير أم تطهير ؟
تثار هذه الأيام في الأردن عاصفة تسببت بها تغييرات طالت المناهج الدراسية في البلد ، وبطريقة مستفزة .
وإذا سلمنا بضرورة تغيير المناهج لأسباب على تماس بالتطوير والعصرنة ، فإن هذا لا يعني أن ننسف ثوابت مغروسة في عقائد الناس ظنا منا أننا أنجزنا المهمة بنجاح .
قلت في أكثر من مقال : إن محاربة التطرف هي وحدة كاملة من الإجراءات ،وإن الأمر لا يقتصرعلى المناهج التي هي جزء أصيل من عملية التطوير إلى الإسلام الحقيقي الذي حددت خطوطه الأمة الإسلامية في رسالة عمان .
رسالة عمان ، يا سادة ، لم تطلب منا أن نشطب آيات قرآنية ونستبدلها بدروس أخرى ، ولا طلبت من الحكومة أن تلغي " اللحية " عن وجه رجل في صورة بالصف الثالث ، واستبدالها برجل حليق ، ولا بخلع حجاب امرأة وإلباسها من فوق الركبة بشبرين .
إن أي تطوير على المناهج يجب أن يوضع بعد دراسات ونقاشات وجلسات حوار ومؤتمرات ، وليس بجرة قلم على طريقة سايكس وبيكو .
إن الذي فعله الفاعلون " المجهولون " ليس تطويرا في المناهج وإنما تطهير لها ، وإلا فإن أي ساذج بإمكانه التدليل بعد المقارنة ، بأن ما فعله هؤلاء ستكون نتائجه عكسية .
إن استبدال أحاديث نبوية عن آداب الطريق بدرس عن إشارات المرور ، وحذف درس عن سورة قرآنية واستبداله بموضوع عن السباحة ، وتثبيت أفكار سياسية بعينها في عقول النشء والتلاميذ ليس تطويرا أبدا .
القائمون على تغيير المناهج أغفلوا حقيقة ناصعة : وهي أن محاربة عقيدة الخوارج من أمثال داعش وأشكالها يكون بالحقائق وليس باختراع دين جديد ، بتثبيت قيم الإسلام السمحة وليس بشطب وتبديل كل ما له صلة بالإسلام العظيم .
إن أكبر عدد من المتطرفين العرب ممن التحقوا بداعش واعتنقوا فكر الخوارج الضال هم من التونسيين وإذا رجعنا بالذاكرة إلى أيام حكم زين العابدين بن علي ، فسنجد أن التوانسة في عهده كانوا يدخلون المساجد بواسطة البطاقة ، ووصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك .
خذوا ذلك عبرة .
ولحرصنا على أمن بلدنا وتنقيته من الأفكار الضالة والمتطرفة ، ومن استثارة الناس في دينهم ، يتحتم علينا أن ننشر مناهج من وحي رسالة الإسلام السمحة المعتدلة ، من وحي رسالة عمان التي رعاها وأطلقها جلالة الملك ، وليس من وحي سفراء أجانب يرسمون لابنائنا خطوط دينهم ، بعد أن سلبوا منهم بسياسات عواصمهم بهجة دنياهم .
د. فطين البداد