الأردن : عن تعديل قانون الضريبة
لا أصدق أن ما قيل عن دراسات حكومية لتعديل قانون الضريبة بإحداث تغيير فيه ليس سوى " حكي إعلام " .. فالحكومات - في العادة - تطلق بالون اختبار سرعان ما يصبح حقيقيا ، فما بالك وتوصيات صندوق النقد الدولي ملء أبصار الأردنيين وأسماعهم .
وإذا كان البرلمان في عطلة الآن ، فإن هذا لا يمنع من أن يكون أعضاء في اللجان المالية في المجلسين على علم بالتعديل المرتقب ،رغم نفي بعضهم ، ليجيء تصريح المومني الأخير ويعترف بأن هناك تعديلا ما .
واللافت في تعديل القانون ، هو أن قانون الضريبة النافذ يعتبر قانونا " طازجا " حيث تم إقراره قبل حوالي سنتين وبدئ العمل به رسميا في الأول من كانون ثاني 2015 ، وهي مدة لا تكاد تذكر في أعمار القوانين في الدول الديمقراطية ، ومن الصعب تعديله ولا تكون الحكومة عرضة للنقد من قبل المنظمات الدولية "غير المالية بالطبع " والتي ستتهمها بعدم الإستقرار التشريعي ، وكذلك من قبل ما تبقى من المستثمرين الذين "سيطفشون " بعد تأكدهم من أن أي قانون يقره البرلمان الآن سيظل عرضة للتعديل والتغيير في أي وقت ، وهذا أمر خطير لمن يفهم بالإقتصاد والإستثمار وعالم البزنس ، مع تذكيرنا بأن الذي أقر قانون الضريبة ليس اللجنة المالية ، بل لجنة الإستثمار والإقتصاد في مجلس النواب قبل الموافقة عليه من الأعيان.
وإذا كانت لجنة الإستثمار والإقتصاد النيابية عقدت عشرات الإجتماعات مع مختلف المعنيين بالقانون قبل إقراره ، فإن أي تعديل لا يراعي ذوي الدخل المحدود وأشباههم سيكون مسخرة ، وسيجعل الأردنيين مقتنعين أن الذين يديرونهم ليسوا سوى مجموعة من " الهواة " الذين لا علاقة لهم بالإدارة ، فإذا كان تعديل القانون استحقاقا لصندوق النقد الدولي فلماذا تم إقراره أصلا ، وأين كانت توصيات الصندوق في حينه ، ولماذا تم ترحيل ما تسميه الحكومة :" إصلاحات " من حكومة ساحقة إلى حكومة ماحقة ؟؟ ... ناهيك أن أي تعديل في القانون سينعكس سلبا على إقبال المواطنين على مشاريع التطوير والتحديث بسبب عدم الفهم وعدم الإستقرار في التشريع كما قلنا ، فالضريبة ليست شأنا ماليا فقط ، بل هي أيضا شأن اجتماعي له آثاره وتداعياته .
الحكومة وعلى لسان الناطق الرسمي أعلنت أنه لا مساس بالطبقات الدنيا والوسطى ، هذا الآن ، أما لاحقا - عند طرح التعديل - فقد تتعذر في أن الذين يدفعون الضريبة من المواطنين هم نسبة قليلة وفق مواده وبنوده ، وهي حجة الصندوق العتيد ، إلا أن هذا كلام قد يساق للضحك على الذقون ، على اعتبار أن هناك ضرائب مستقلة أهمها " ضريبة المبيعات " يضاف إليها ضرائب أخرى يدفعها الناس ولا يتضمنها هذا القانون الموعود .
إن تعديل قانون الضريبة بشمولها فئات أخرى من المجتمع لم تكن مشمولة بالقانون من خلال تخفيض سقف الإعفاء على الفئات محدودة الدخل مما سيرهق الشركات العاملة ، وغير ذلك من خفايا بهدف توفير نصف مليار دينار كما سربت بعض المصادر .. أقول : إن هذا الأمر سيضرب الإقتصاد الوطني وسيقضي على ما تبقى من هذه الطبقة الوسطى التي هي عماد الإقتصاد في أي بلد في الدنيا .
وبالرغم مما قاله النواب طوال الأسبوع الفائت وتوعدهم بإسقاط الحكومة إن أجرت تعديلا على القانون ، فإنني أعتقد كغيري من المراقبين : أن التعديل هو تحصيل حاصل ، ومن لا يعجبه فليشرب البحر الميت !.
د.فطين البداد