قانون الضريبة .. عندما تعتبر الحكومة الأردني " علبة بيبسي "
غضب الأردنيين لم يأت من كونهم لا يحبون بلدهم ولا يضحون لأجله ، ولكنه جاء بسبب تطنيش الحكومة لمشاعرهم عندما تتوالى قراراتها بحق جيوبهم وبكل استخفاف .
لم يقف شعب في العالم وقفة الأردنيين مع بلدهم ومع مصالحه العليا ،وليس هناك من شعب مستعد للتضحية أكثر من هذا الشعب العظيم النبيل ، ولكن الحكومات تستغل وطنية هذا الشعب وانتماءه واستعداده للبذل والعطاء بكل استهتار وبفوقية ولا مبالاة .
لقد قالت الحكومة في معرض تعليقها على إضراب النقابات : إن الأردن مر بظروف أقسى وتخطاها ، أي أن الإضراب لم يكن في وارد أن تحسب له الحكومة حسابا وهو في نظرها ليس سوى " سحابة صيف " ليس إلا .
ليس هكذا تورد الإبل ، وليس بمثل هذا التعليق يتم الحديث عن الإضراب الذي راقبه العالم ، وكان من الأولى أن لا يبلغ استهتار الحكومة بمشاعر الأردنيين درجة الإعلان وبكل برودة أعصاب ليلة الخميس - الجمعة ، أي بعد يوم من إضراب النقابات ، عن رفع أسعار المحروقات والكهرباء قبل ان يأمر الملك بإلغائه .
من قال إن الأردن لا يستطيع تخطي كل الصعوبات ، ولكن أن ينظر إلى هذا الشعب على أنه "علبة بيبسي " كما يفهم من تعليق الحكومة : يفور وسرعان ما يهدأ ، فإن هذا قمة التعالي وعدم الاحترام .
وفوق هذا وذلك ، رفضت الحكومة سحب مشروع القانون خلال اجتماعها مع النقابات ومع النواب ، أو حتى إمكانية سحبه ، وبدورها رفضت النقابات أن يصل القانون إلى مجلس النواب خشية المماطلة ، كما قال رئيس النقباء الذي توعد بالتصعيد .
لقد طالب الملك في اجتماع مجلس السياسات الذي عقد السبت كلا من الحكومة والنواب التوصل إلى صيغة بشأن القانون لا ترهق الناس ، مؤكدا بأنه " ليس من العدل أن يتحمل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية " .. فلماذا لم تفعل الحكومة ذلك قبل الوصول إلى هذا الإحتقان والغضب الشعبي العارم ؟ .
لقد مرت ارتفاعات الأسعار ورفع الدعم عن السلع الأساسية سابقا بما فيها الخبز بكل سلاسة ، ليس لأن الحكومة " شاطرة " وبعض رجالاتها جهابذة في الإقتصاد السياسي والتجاري وفلسفة الإقناع ، بل لأن الشعب الأردني أدرك بأن الوطن بحاجة إليه فتقبل الأمر مع علمه بأنه إذا " قبض " ثمن فرق الخبز هذا العام فإنه من المرجح أن لا يقبضه العام الذي يليه ، كما جرى مع المحروقات التي توقف صرفها فجأة وبدون إحم ولا دستور .
كان بإمكان الحكومة طرح مشروع قانون الضريبة للنقاش العام ، وليس الإكتفاء بعقد مؤتمر صحفي لثلاثة من شخوصها والإعلان عن مشروع القانون وكأن الأردنيين بدون مشاعر ولا عيون ولا آذان ولا عقول ، فإقناع الناس بمشروع بحجم قانون الضريبة لا يكون بمثل هذا المؤتمر ولا باستضافة التلفزيون بعض النواب من المطبلين والمزمرين كما حدث في وقت سابق قبل الإحتجاجات .
الحكومة أبلغت صندوق النقد الدولي اعتمادها قانون الضريبة المعدل موضع الخلاف ، " هكذا من شور راسها " مما دفع مالية الأعيان للإعلان عن أن اللجنة ستناقش مشروع القانون مع الصندوق ، أي أن الحكومة كانت في واد والبلد في واد آخر .
كل الشعب مع قانون يمنع التهرب الضريبي ومع الإصلاح المالي ، ولكن بشرط أن لا يتحاذق أحد على هذا الشعب العظيم أو أن يحاول تعليمه الوطنية وحب الأردن من خلال معادلة : إما أن تكونوا مع القانون أو أنكم أعداء للبلد ومصالحه العليا .
د.فطين البداد