الاردن : الرزاز والضريبة وصندوق النقد الدولي
ما جاء به السيد عمر الرزاز ، رئيس الحكومة المكلف يبشر بالخير ويكشف بأن الرجل منفتح وحواري وعلى درجة عالية من الذكاء الإيجابي، ذلك أن هناك رؤساء حكومات يتمتعون بذكاء سلبي للأسف ، والصالونات الأردنية تعج بطرح أسماء هؤلاء الذين لم يغادروا أحاديث الاردنيين وتعليقاتهم يوما من الأيام .
لقد استجاب الملك لنداء شعبه وأقال الحكومة ، والتي أضاعت على نفسها فرصة ذهبية بسحب مشروع قانون الضريبة عندما اجتمعت مع النقابات ومع النواب ، ولكن الكبر والفوقية طغت على أدائها بشكل عام فأغضبت الجميع بمن فيهم الملك ( راجع مقالنا السابق ) .
تكليف رجل مثل الرزاز كان اختيارا موفقا في ظرف دقيق ، ذلك أن الرئيس الجديد غير محسوب على أي جهة ، ويمتلك من مقومات شغل منصبه تاريخا جيدا في العمل العام أثبت فيه كفاءته ، وآخره وزارة التربية والتعليم .
ومن أجل أن ينهي الرزاز ، حتى قبل القسم الدستوري وتشكيل الحكومة قضية الإضرابات واعتصام الرابع بنجاح أعلن بأنه سيسحب القانون مباشرة بعد القسم ، ومن هنا ، لم يعد هناك من مبرر للإحتجاجات في انتظار ما سيخرج به من جعبته في ظرف اقتصادي دقيق يتطلب تكاتف الجميع ، بل إنه وبعد مراجعة قانونية ، أعلن الأحد فعليا سحب مشروع القانون .
صندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه القوى الكبرى أدرك بعد الإحتجاجات بأن هناك حاجة للإصلاح المالي بطريقة مختلفة ، ورأينا كيف أن الصندوق اقترح بأن تكون ضريبة المبيعات موضع نقاش لكونها تؤثر على الطبقات الفقيرة مركزا في تعليقه علىى ضرورة التركيز على الأثرياء في قانون الضريبة والإصلاح القادم الذي لا بد منه حتى لو تأجل عاما أو عامين وفق معلومات .
أول اجتماع للرزاز كان مع رئيس مجلس الأعيان الاستاذ فيصل الفايز ومن ثم مع المهندس الطراونة رئيس مجلس النواب ومع مجلس النقباء ، وقد وعد بأن يكون قانون الضريبة موضع نقاش موسع بين كل الفئات متعهدا بحماية الطبقات الفقيرة والوسطى .
الذي لا بد من التطرق إليه في هذه العجالة ، هو أن حالة الإحتقان والإضرابات التي عمت الاردن كانت مفيدة حقا للحكومة وللمواطنين ، حيث عرف العالم بأسره ما معنى أن ينفلت الأمن والأمان من الأردن ومدى خطورة ذلك على المنطقة برمتها ، ولعل هذا هو الذي عجل في استجابة الصندوق لطلب الحكومة إمهالها قبل تطبيق الإصلاحات المطلوبة .
ولا يجوز بأي حال أن نغفل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الذي دعا لقمة رباعية في الرياض بمشاركة الاردن وذلك لتدارس تقديم الدعم للشقيق الذي يمر بظروف اقتصادية غاية في الصعوبة ، ولم يسبق للإمارات ولا الكويت أو السعودية أن تخلت يوما من الأيام عن دعم الأردن محدود الموارد .
امنحوا الحكومة الجديدة الفرصة الكافية فقد تحققت مطالب الشعب في إقالة الحكومة السالفة وتم سحب القانون ، والآن جاء وقت التشاور والعمل معا للنهوض بالاردن الذي هو لنا جميعا ، ولكن حذار الاقتراب من قوت الفقراء والطبقة الوسطى بشكل استفزازي، والتي هي عماد الأقتصاد في أي بلد في الدنيا ..
حمى الله الأردن !.
د.فطين البداد