تعديلات الحكومة على قانون الجرائم الالكترونية
خطاب الكراهية الذي تحدثنا عنه في مقال سابق ، كان سببا في سحب الحكومة مشروع القانون المعدل للجرائم الألكترونية بالإضافة الى ملاحظات اخرى .
وحسنا فعلت الحكومة عندما سحبت القانون من مجلس النواب وأقرت تعديلات عليه طالبت بها جهات مختلفة ، ومن ثم أعادته للمجلس معدلا من جديد .
أول ما يلفت في النصوص الحكومية التي تضمنها التعديل الاخير هو تعريف خطاب الكراهية والمادة 11 .
ففيما يتعلق بخطاب الكراهية الذي طالبنا وطالب معنا كثيرون بتحديده وتعريفه لكي لا يكون مطاطا وعرضة للتفسيرات والتأويلات جاء هذه المرة ليشمل " كل خطاب أو عمل يقصد منه أو ينتج عنه اثارة النعرات المذهبية او العنصرية او الدعوة للعنف او الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الامة " وهو تعريف جيد ومهم لولا عبارة " ينتج عنه" ذلك أن التأكيد على القصدية في الفعل هو سبب رئيس لهذا الذي سينتج عن هذا الفعل ، ولكن ماذا سيقول المشرع في حالة وقوع فعل غير مقصود أو لعله سقط سهوا أو بالخطأ ، خاصة وأن العمل الأعلامي الحديث والنشر الالكتروني قد ينتج عنه اخطاء غير مقصودة ، فالامر كله مرتبط بكبسة "ماوس " او نقرة اصبع .. وإذا تم تضمين التعريف عبارة " او ينتج عنه " بدون تأكيد هذا الناتج بالقصدية فإننا نكون قد عدنا الى التفسير المطاطي القابل للتأويل ، وعليه ، فإن القصدية هي الاساس هنا ، فأنت قد تقوم بتشيير صورة بالخطأ ، أو تقوم بإعادة تشيير مادة أو تقرير بدون قصد منك من دون أن يكون في نيتك أن " ينتج عنه " .. , وإذا ما ظل التعريف كما ورد في مشروع الحكومة فإن كل خطأ غير مقصود سيكون مؤاخذا صاحبه ، مع أن الخطأ غير المقصود حتى بقتل النفس قضاء وقدرا ، كحوادث السيارات والأعمال وغيرها يكون عقابه مخففا ، ولا يعامل معاملة الفعل المقصود عن سابق نية ، وأذكر الجميع هنا بأننا كلنا معرضون للوقوع في هذا المحذور بحكم طبيعة البشر الخطاءة كما قلنا .
ومثال على ذلك ما طالب به أحد النواب في جلسة نيابية قبل ايام عندما استنكر عدم قدرة المرأة منفردة على الشهادة على واقعة الزواج أو الطلاق ، مؤكدا على وجوب إلغائه ، وإذا قصد أحدهم ملاحقة هذا النائب - مثلا - فإن ما قاله يخضع لتفسير " الحث على الكراهية " و" ينتج عنه " لكون هذا الحكم واردا نصا في القرآن الكريم ، مع ان هذا النائب ربما يكون غير قاصد التعرض للنص الحكيم بالمطلق .، وحسنا فعل مقرر اللجنة حينما أخبره بأنه نص شرعي ، على اعتبار أن قانون الأحوال الشخصية مستمدة مواده من الشريعة .
أما بالنسبة للمادة 11 فقد نص التعديل على أن تكون عقوبتها سنتين وليس ثلاث سنوات ، حيث إن مرتكب المخالفة هنا لا يتوجب توقيفه ، وهو ما نادى به الجسم الصحفي وهيئات وجمعيات حقوقية أخرى .
وحسنا فعل التعديل الحكومي ايضا عندما نص على أن التعليق المسيء يسأل عنه صاحبه وليس صاحب الصفحة الاجتماعية او الموقع الاخباري ، وقد سبق وتطرقنا في مقال ايضا لهذه النقطة ، حيث إن التعليقات على مواقع التواصل - مثلا - لا قبل لصاحب الحساب بها لكونها تكتب وتنشر مباشرة من قبل القارئ ما لم يتم حظرها، وأعتقد بأنه تعديل مهم ليكون صاحب اي تعليق هو المسؤول عن تعليقه مباشرة وهي قضية رادعة بشكل عام .
ولكن أريد في الختام أن أبوح بما في نفسي وبكل صراحة وأسأل : هل يمرر النواب تعديلات الحكومة ، أم أننا سنشهد العكس ، بحيث " ترخي " الحكومة ، فيقوم النواب بـ " الشد " تحت زعم أن بعضهم تعرض للإساءة من خلال التعليقات أو النشر ؟ ..
نأمل أن يكون النواب مع ضمان حرية التعبير ، لأن كثيرين منهم سيجلسون غدا في بيوتهم، وليتخيل أحدهم كيف أنه لن يستطيع حينها الهمس ببنت شفة تجاه اي قضية ، لأنه سيكون تحت سيف قانون هو من قام بالموافقة عليه والتسبب باقراره ، وحينها لن ينفع الندم .
إجمالا ، فإنني من حيث المبدأ ضد سن هذا القانون ، ذلك أن لدينا قوانين ناظمة للمطبوعات والنشر والمرئي والمسموع ولدينا ايضا قانون العقوبات، فما الحاجة أصلا لقانون اسمه على جسمه : " الجرائم الالكترونية " !.
د.فطين البداد