وقف حبس المدين سلاح ذو حدين
بداية ، احب ان اسجل اني لست ضد تعديل قانوني العقوبات والتنفيذ ، ولكني حريص على ان لا يهوي الاقتصاد الى مهاو ليس فقط يصعب الخروج منها ، بل يصعب بلوغ قعرها لعمقه وبعده وظلمته .
حينما يتداعى 110 نواب لتوقيع مذكرة تمنع حبس المدين المتعثر فإن هذا أمر مفهوم ، ولكن ضوابط هذا التعديل هي الاشكال الذي يدور حوله النقاش .
من حيث المبدأ ، فإني ضد حبس المدين المعسر الذي دهمه الوضع الاقتصادي والبطالة والركود ، ولكن على هذا المدين ان يمتلك من الادلة ما يضعه في خانة المعسرين الذين طرأ عسرهم بدون سابق تخطيط فيتم إمهاله ، ويكفي حسما للجدل قوله تعالى : " : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ "البقرة: 280" وهذه الآية الكريمة حسمت منع حبس المدين المعسر " الطبيعي " ،هذا من جهة ، اما من حيث الحكم المدني ، فإني اذكر القراء الاعزاء بأن الاردن وقع اصلا على اتفاقية العهد الدولي الاممية المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية ، والتي تمنع حبس المدين غير القادر على الوفاء بالعقود ، لتصبح القاعدة ، وفق ما يرى البعض ، ان المعسر لا يجوز حبسه سواء وفق النص الشرعي أو وفق الاتفاقات الدولية ، ولكن هذا الامر شيء ، وأن يطلب البعض اسقاط قضايا أو اخلاء سبيل المحكومين والغارمين والغارمات بدون ضمان لحقوق الدائنين فشيء آخر ، أي أن اطلاق وصف " المدين " بدون تحديد الفئات المستهدفة يعتبر ظلما للدائنين واصحاب الحقوق وهذا ما لا يقبله منصف .
وكما قلنا : فإنه لا بأس من امهال المدين المعسر من الذين استدانوا بنية حسنة ولم يتمكنوا من السداد ، ولكن الأمر مختلف مع المدين الذي استدان بنية عدم السداد ، وبخصوص الفئة الاولى ، فمن نافلة القول - مثلا - أن العشرات من التجار فروا خارج الاردن مع أن بإمكانهم العودة وجدولة ديونهم من جديد إذا الغي قرار حبسهم ويقاس عليهم من يندرج ضمن فئتهم .
وننوه ايضا بالمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية التي تمتنع عن سداد ما عليها ، ونسأل : كيف سيعامل الدين الحكومي في هذه الحالة ، وهل من الانصاف ان يكتفى بالحجز على املاك هذه المؤسسات دون ان يتمكن الدائنون من استرداد اموالهم ؟؟ .
أما بخصوص اصحاب الحقوق من غير هؤلاء ، فإن من الواجب عند وضع اي تعديلات على قانوني العقوبات والتنفيذ التأكد من ان منحهم ديونا للآخرين لم يكن لغاية النكاية بهدف الايقاع ، كأن يعلم الدائن بأن المدين لا يقوى على السداد ، وبرغم ذلك يمنحه اموالا ليلقي به في غياهب السجون ، وهذا يتطلب وضع شروط صارمة للاشخاص والمؤسسات والبنوك والشركات عند قيامها بمنح القروض وغيرها ، مع أن هذا ايضا سلاح ذو حدين .
على من يدعو لوقف حبس المدين ان يعلم بأن قيمة الشيكات المرتجعة منذ بداية عام 2019 بلغت حوالي مليار دينار من أصل حجم تداول وصل الى 23 مليارا ، أي ان قضية " السلاح ذو الحدين " يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لكي لا ينهار الاقتصاد.
القضية كبيرة وعويصة وذوات ابعاد اقتصادية واجتماعية قد تصل الى لجوء كثيرين للعنف لتحصيل اموالهم مما يضرب السلم الاجتماعي ولا يعزز اللجوء للقضاء ، كما ان وقف حبس المدين سيؤثر سلبا على حركة السوق والاقتراض وكل مناحي الحياة ، ونأمل أن تدرس جميع الظروف والخيارات وأن يوضع الامر في نصابه .
د.فطين البداد