عن الملتقى الاقتصادي في البحر الميت .. آمال وآلام
الندوة التي اقيمت في البحر الميت مؤخرا من ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي الاردني الثاني ، والتي استضيف في احدى جلساتها كل من محافظ البنك المركزي ووزير المالية ووزير التخطيط ، حملت أكثر من دلالة : إذ مر حديث المسؤولين الثلاثة مرور السحاب على كثير من المشاهدين والمستمعين والحضور الذين كان اغلبهم - بحق - صما بكما " مش فاهمين حاجة " ليس لقصور فيهم ، ولكن لاعتماد المسؤولين الثلاثة مصطلحات يستوعبها فقط من درس علم الاقتصاد ، أما البقية الباقية من سياسيين ومثقفين عاديين ومواطنين ومؤسسات وشركات فإنهم كانوا مثل الاطرش بالزفة .
لا يكاد اغلب الحضور يفرق بين السياسة المالية والسياسة النقدية ، وما الفرق بين الاستقرار المالي والاستقرار النقدي ، وما هو النمو وكيف يحسب ، وما معنى السيولة وما المقصود بالتمويل ، وسعر الصرف وكيف تحسب الايرادات والنفقات وما علاقة الاستقرار المالي باستقرار حجم الدين الخ .. .
هذه وغيرها لا تعني المتابعين البتة ، بقدر ما يعنيهم ما يلمسون من تحسن على نفقات جيوبهم ، ولما يخرج الامر عن نطاق هؤلاء المسؤولين الثلاثة ويأتي الدور على رئيس الحكومة يصبح الحديث أكثر وضوحا وتبدأ الخطوط تتكشف اكثر فأكثر ، وهذا ما فعله الرئيس الذي كان واضحا جدا وبطريقة مباشرة بدون اي تدليس .
من ضمن ما قاله الرزاز ، هو أن ما تبقى من شهور في هذا العام 2019 سيكون " حافلا بقرارات تعزز الاعتماد على الذات " .
هذا ما قاله حرفيا ، وإذا قرأناه بطريقة أخرى ، فإن ما قاله الرجل يكشف عن مزيد من الضغوط على جيوب الاردنيين رغم وعود وزير ماليته بعدم فرض أي ضرائب جديدة خلال هذا العام ، وعلى ذكر وزير المالية فإن موقفه كان حرجا في الندوة المذكورة عندما وجه اليه سؤال ساخن عن سبب نقص الايرادات برغم كل هذا الحجم من الضرائب التي فرضتها الحكومة على خلق الله ، ومن اغرب ما قاله "وأنا شاهدته من خلال فيديو المدينة نيوز" بأن هذا الامر ليس مهما ، لأن المهم ان نتدارك الامر ونبحث عن السبب والحلول ، هكذا حاول تبرير انخفاض الايرادات ،ولكن الرئيس كان اشجع منه عندما تحدث عما تبقى من هذا العام وما سيجري فيه .
الرزاز قال ايضا بأن زمن المنح ولى الى غير رجعة ، مذكرا بأن العشر سنوات الاخيرة ضربت القطاع الخاص في مقتل ، أوحسب مصطلح الرزاز : " أنهكته " واضعفت القوة الشرائية للمواطنين ، إلا انه قال كلمة حق لا يخالفه فيها اثنان لاسباب سنذكر بعضها ، حينما قال : إن الاردن لديه قدرة هائلة على التحمل وعنده مناعة عالية " ، ولكنه لم يردف حديثه بشكر هذا المواطن الذي هو الذي يتحمل ، وبأنه يحمل هذه المناعة العالية ليس لسواد عيون الحكومات ، ولكن لحرصه على ان لا ينزلق البلد نحو المجهول فرأينا هذا المواطن الفقي المنتمي يحمل عن الحكومات ووزراء ماليتها وتخطيطها ومحافظ بنكها المركزي اثقالا تنوء بها الجبال ، في الوقت الذي يتغنى فيه الرئيس بنسبة النمو التي قال إنها زادت عن العام الماضي بنسبة 2 % مع أن الذي أوصل النمو لهذا المستوى هو هذا المواطن المسكين ، الذي " انخسفت " قوة الشراء لديه الى النصف .
ولكي لا يقال بأننا نثبط الناس ، فإننا نشارك الرئيس القول بأن هناك أملا ، ولكننا لا نشاركه بأن الصورة ليست قاتمة ، فالاردنيون لا يعنيهم أن ترتفع الصادرات 4 % كما قال الرئيس بقدر ما تعنيهم قوة رواتبهم الشرائية ، تماما كما لا يعنيهم هل أن الاحتياطي الاجنبي في البنك المركزي بلغ 12 مليارا كما قال ، أو حتى 100 مليار كما نفترض ، لأن هذه ليست سوى ارقام تشتري بها الحكومات البنوك الدولية والصناديق الدولية ، بينما لا يشتري بها الاردني حبة دواء أو علبة حليب ، والذي يغيظك ان الحكومة تغنت في المؤتمر وعلى لسان رئيسها بأن دخل السياحة ارتفع 8 % وبأن الاردن تقدم 10 درجات على مؤشرات التنمية ، وذلك في سياق لغة خشبية جامدة بلا لحم ولا دم وليس لها اية آثار على الدخول التي أكلتها موجات الغلاء العلني والسري، ومن ضمن ذلك ما اعلنه الرئيس عن ان ايرات شهر آب زادت 11 مليون دينار عن ايرادات نفس الشهر من العام الماضي ، ولم يتبع حديثه بأن تطبيق القانون الجديد لضريبة الدخل بدأ هذا العام ، وكذلك الامر بالنسبة لضريبة المبيعات التي ارتفعت بمبلغ 69 مليون دينار مقارنة بنفس االفترة من العام 2018 ، أي ان ما اورده الرئيس امر طبيعي ولا مجال للتفاخر به او الاستشهاد بأرقامه .
واكثر ما يثير في تصريح رئيس الحكومة أن مسؤولية تعافي الاقتصاد تقع على كاهل جهتين : الحكومة ، والقطاع الخاص .. فعلى الصعيد الحكومي نسأل : كيف سيتعافى الاقتصاد والدين وصل لنسبة 95 % من الناتج الاجمالي ، أما القطاع الخاص فنسأل أيضا : اي قطاع خاص دولة الرئيس ، وهل بقي شئ اسمه قطاع خاص في ظل كل هذه القرارات " الحلمنتيشية " التي تخرجون بها كل يوم على شكل قوانين سرعان ما يتم تعديلها ، ومن ثم يتم تعديل التعديل وهلمجرا حتى يفقد المستثمر اي بوصلة صالحة للابحار في محيطكم الطويل العريض السحيق العميق .
لقد كان ملتقى حالما بحق ، ورغم ذلك ، فإننا نأمل أن يحقق جزءا من توصياته .
د. فطين البداد