تحقيق الجارديان وكيف اصبح الاردن الاول عالميا في التدخين
تقرير صادم ذلك الذي نشرته صحيفة الجارديان البريطانية عن التدخين في الاردن .
لم يقتصر التحقيق الذي قام به اردنيان ونشرته الصحيفة قبل يومين على مضار التدخين ولا تصنيف الاردن بشأنه فقط ، بل تطرق الى قضايا مخفية تجدر دراستها ومراجعتها .
اول مفاجأة في التحقيق أن الاردن بات الدولة الاولى في العالم بشأن معدلات التدخين ، حيث احتل مؤخرا موقع اندونيسيا التي كانت تصنف كأعلى دولة مدخنين في العالم .
ولا يمكن في هذه المساحة المخصصة لمقال أن نعرج على كل تفاصيل التحقيق المهم والخطير ولكنني سأكتفي بأهم ما أمكنني تناوله :
في الدراسة التي اجرتها الحكومة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية تبين بانه من بين كل 10 اردنيين هناك ثمانية مدخنين ، ويقول التحقيق بأن أثر التدخين لن يظهر الآن على فئة الشباب التي تشكل الاغلبية الساحقة من المدخنين بل إن الآثار ستظهر ربما في عام 2030 ، أي اننا سنشهد ازمة صحية مدمرة بسبب السرطانات وامراض القلب كما قال احد اطباء مركز الحسين للسرطان ردا على سؤال للصحيفة .
والجديد في الامر ، أن الشركات المنتجة ، وفق الصحيفة ، تقوم بوضع او بالموافقة او عدمها حتى على كلمات التحذير المكتوبة على علبة السجائر ولون التحذير وكل صغيرة وكبيرة فيه ، وبأن الحكومات واقعة تحت ضغط هذه الشركات بحيث لا تستطيع اتخاذ اي قرار يتعلق بالتدخين دون وجود ممثلين لهذه الشركات في الاجتماعات ، ووصل الغضب بالاميرة دينا مرعد ، وهي رئيسة الاتحاد الدولي لمكافحةالسرطان ان اشتكت من ممارسات هذه الشركات وقالت بأن شركات التبغ ، جلست على الجانب الآخر من الطاولة واعترضت على كل معيار يطرح في النقاشات .
ليس هذا فقط ، بل ان التحقيق تطرق الى ان دولا مثل امريكا واستراليا واوروبا تمكنت من وضع حدود لتدخل الشركات على مدى 30 عاما ، ومنعت هذه الشركات من التدخل في القرار السياسي لحكومات هذه الدول بحيث لم تعد الشركات مطلقة اليد في وضع اسس حملات التوعية ضد التدخين ومنع الدعاية ، ولكنها في الدول النامية ، ومنها الاردن بالطبع ، تتدخل في كل هذه القضايا وبقوة .
ولو عاد القارئ الكريم بذاكرته الى الوراء لوجد بأن قانون الصحة العامة تم اقراره ومروره بكل مراحله القانونية والدستورية ، إلا انه لم ينفذ على ارض الواقع ، بل ان النواب الذين اقروا القانون ومنعوا بموجبه التدخين في الاماكن العامة يدخن اغلبهم تحت القبة ، وإذا كان لتدخلات هذه الشركات من آثار خطيرة على الصحة العامة في الاردن ، فإن التحقيق حسم بأن تدخل الشركات في شكل الدعاية التي تحذر او تتحدث عن مضار التدخين له علاقة مباشرة بحجم التدخين ونسبته في الاردن ، ليس هذا فقط ، بل ان التحقيق كشف بأن مسؤولين اردنيين يتعرضون للضغوط من انصار هذه الشركات او ما اطلق عليه التحقيق " جماعات الضغط "ووصلت هذه الضغوط الى درجة التدخل في طريقة تنفيذ القانون المتعلق بالصحة ، ويقوم هؤلاء بعرض تقديم أموال على شكل تبرعات لاقامة مشاريع اجتماعية للمواطنين في الاردن ، أي انهم يحاربون الدعاية المناهضة للتدخين مقابل مشاريع اجتماعية من مثل اصلاح مدارس وتقديم حملات للحقيبة المدرسية وورشات لاعداد الشباب لاسواق العمل وغير ذلك من اعمال "خيرية " الى درجة ان يحضر هؤلاء ، وفق الصحيفة ، لاجتماعات تتعلق بمعايير استخدام السجائر الالكترونية لكون هذا النوع من السجائر على تماس بالمنتجات التبغية المختلفة والمدخنين بشكل عام ، ومن بين القضايا التي طرحتها الشركات " كمية النيكوتين ، وحجم التحذير الصحي الموضوع على علبة السجائر ، بل وحتى الالوان المستخدمة في التحذير واللغة التي يصاغ فيها وهلمجرا .
ونعود للاميرة مرعد، فقد اضافت بأننا " وصلنا الى قناعة بانهم يضيعون وقتنا وقد خرجنا احتجاجا من الاجتماعات ولم يحدث اي شيء بل ان اللقاء استمر بدوننا وفي النتيجة وقع الاردن على " المعاهدة الدولية لمكافحة التدخين ، وهي معاهدة تلزم الدول على حماية صحة مواطنيها من تدخل شركات التبغ .
وبالتأكيد ، فإن توقيع الحكومة على المعاهدة لم يكن له اي اثر على الارض ، ونظرة سريعة الى الشوارع والاماكن العامة الممنوع فيها التدخين اصلا ، تجعلك تخلص الى نتيجة مفادها : إن الدور الذي مارسته شركات الدواء والغذاء ضد المرحوم الدكتور عبد الرحيم ملحس في التسعينات من القرن الماضي يمارس هذا الاوان من قبل شركات اخرى ، ولكن الفرق أنه لا يوجد لدينا في الحكومة الآن ملحس آخر والحديث هنا عن الحكومة وليس عن وزير الصحة المحترم سعد جابر الذي ابدع هو وزملاؤه في الجائحة الراهنة .
وجدير بالذكر أن اقبال الاردنيين من الجنسين على التدخين له اسباب غير تدخل الشركات وعلى رأسها ضغوط الاوضاع الاقتصادية والنفسية والبطالة والفقر وغيرها ، ولكن هذا لا يعفي الحكومة من القيام بواجبها تجاه المجتمع وتنفيذ قوانينها ومواثيقها الموقعة قبل ان نستفيق على مصائب وامراض لا قبل للنظام الصحي بها فنعيش في بضع سنوات ازمة لم تكن تخطر لنا على بال .
حمى الله الاردن .
د.فطين البداد