إرفع رأسك.. أنت عربي
"مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في هجوم كموندوس أميركي على مكان إقامته "..
هذا ما تصدرته عناوين نشرات الأخبار الرئيسة في الفضائيات التلفزيونية والصحف والمجلات الإخبارية على مدار أيام الأسبوع الفائت ....
ففي ظل انشغالنا بما يجري من أحداث في وطننا العربي من كر وفر واتفاقيات ومصالحات ومبادرات ووساطات وانتقال سلمي وهجوم عسكري وقتلى وجرحى واعتقالات ودبابات وقطع للكهرباء والماء والاتصالات... الخ.. يُطلُّ علينا الخبر مدوّياً عن مقتل زعيم القاعدة والأب الروحي لهذا التنظيم الجهادي : أسامة بن لادن، الشخصية الجدلية التي أثارت الرأي العام وتحديداً في العشر سنوات الأخيرة بعد حادثة تفجير برجي التجارة العالميين في وسط مدينة نيويورك الأميركية والذي راح ضحيته ٣٠٠٠ شخص.. منذ ذلك الحين وأسامة بن لادن لغزٌ حيّر أميركا والغرب عموماً بقادتها وأجهزة استخباراتها وشعوبها، ولعل في مقتله نهاية سعيدة لها ..
ولكن هل هذه نهاية القصة ؟..
رغم تعدد السيناريوهات حول هذه الشخصية وتاريخها وتأثير فكرها ودور أميركا نفسها بصناعتها !؟
ورغم كثرة التحليلات والتساؤلات حول ردة فعل تنظيم القاعدة على مقتل زعيمها !؟
ورغم شكوك البعض بمسألة التوقيت ولماذا الآن؟
ورغم إدانة البعض الآخر لقتل أسامة بن لادن ومن ثم التخلص من جثته برميها في البحر دون المثول أمام محاكمة قانونية!؟ .. رغم ذلك كله وغيره ، إلا أن أسئلة أخرى كثيرة تطل برأسها على طاولة الأجندات السياسية والاجتماعية بعد أن خبا نجم بن لادن إلى الأبد. .. ومع ذلك ، فإنني أعتقد أن النظرية الأكثر وضوحاً هو أنه بمقتل بن لادن تنتهي حقبة الشخصية العربية الإسلامية الإرهابية.. وبانتهاء حقبتها تنتهي صورتها أيضا ، فالثورات العربية اليوم ثورات المواطنة والعدالة التي ترتكز على قضايا علمانية " بمعناها الشامل " مثل التغيير الديموقراطي وحقوق الإنسان في ظل الدولة المدنية.. ثورات الحريات والكرامة لشباب عربي أثبت أن نيل الحرية لا يكون عن طريق القتل والإرهاب..
و بغض النظر عن صحة هذه النظرية، فإن القضاء على الإرهاب المتدثر بالإسلام ، والإسلام منه براء ، وانتشار ثورات الشباب المعاصرة " السلمية والحكيمة " ينتج عنه نشر صورة جديدة للمسلمين والعرب بعد ما قدمته هذه الثورات العربية من إنجازات وبعد ما قدمه الشباب العربي الحر بوعيه ونضجه ووطنيته من تضحيات لنيل حريته وحقوقه ومواطنته..ليُقضى بذلك على التهديد الذي طالما جثا على قلوبنا وأرقنا ، التهديد الذي ساهمت بعض الأنظمة العربية والإسلامية المستبدة في تكريسه وما تزال ، ويبدو ذلك جليّاً في محاولات بعض الحكام العرب ربط كل التحديات الراهنة التي تواجههم بجماعات إسلامية جهادية مثل القاعدة والسلفيين الذين يطلق عليهم " جهاديين " أو " السلفية الجهادية " والإرهاب الأصولي بحجة بناء إمارة إسلامية هنا ، ودولة إسلامية هناك وغير ذلك من مسميات ..
ورغم تباين ردود الفعل العربية على نبأ اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فهناك من ينظر إليه كخطوة إيجابية لأن بن لادن كان يمثل تهديداً جوهرياً ورئيسياً لسلامة وأمن المجتمع الدولي كونه هو الذي شوّه عدالة القضايا العربية.
وهناك من يعتبر أن مقتل بن لادن خسارة فادحة وجريمة مُضافة إلى سلسلة جرائم الولايات المتحدة الأميريكية وإن اغتياله يعتبرمن كبرى الجرائم المعاصرة ، كونه هو الذي رفع راية العصيان والنضال ضد القوى الغربية ذات الأطماع الامبريالية الاستعمارية في المنطقة.
لكن مما لا شك فيه أن هموم وأهداف تنظيم القاعدة ليست هموم من انتفضوا من مواطني العالم العربي والإسلامي ، وأن شباب وطننا العربي الذين يهتفون (سلمية ، سلمية) ليسوا أبدا لا بشعاراتهم ولا بطموحاتهم وتطلعاتهم لونا مقتبسا من " راية " القاعدة ، تلك الراية التي لا تنتصب إلا على الجثث ، ولا تعبق إلا برائحة الدم .
شتان بين ثورة الياسمين وبين ثورة الدم .. أليس كذلك .؟
د. فطين البداد