نفط الأردن غير المكتشف
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن وجود كميات هائلة من النفط في الأردن ترشحه لينضم إلى قائمة الدول المصدرة ، بالتالي فإن هذا الإكتشاف - إن تأكد - سيعم خيره الوفير على البلد وعلى أبنائه ويرفع من المستوى المعيشي للمواطن الأردني ويحل مشاكل الديون المتراكمة نتيجة الضرائب المرتفعة والغلاء بشكل عام ، كما ويحل مشكلة البطالة فيجد كل شاب أردني من الخريجين الوظيفة والدخل الشهري والأمن والأمان الذي طالما حلم به.
وقبل حوالي العام تركز الإهتمام على الصخر الزيتي الذي اعتبر وقتها بديلاً جيداً للطاقة المعتمدة على النفط حالياً..
ولما كان ما قلناه آنفا يندرج في خانتين : تارة في خانة الأقاويل والشائعات بحجة أن الأراضي الأردنية طاردة للنفط وأنه، أي النفط، ينزلق من الأراضي الأردنية باتجاه الأراضي السعودية على الحدود ، و تارة في خانة التأكيد والجزم بوجود 4 مليارات برميل نفط في الصخر الزيتي الأردني تكفي لـ100 سنة.. ووسط هذا السجال حول وجود النفط في الأراضي الأردنية من عدمه، وحول وجود التقنيات المناسبة لاستخراجه سواء من الآبار الطبيعية أو من الصخر الزيتي، وحول الصراع القائم بين الحكومة وشركات البترول والشارع الأردني الذي ضاق ذرعاً بما آلت إليه حاله، كان لا بد لطرف ثالث أن يعلن أيضاً عن وجود النفط ، ولكنه نفطٌ من نوع آخر غير مكتشف بعد في الأردن: إنه نفط " السياحة " - ليس بمفهومها الحالي البسيط - وإنما كصناعة حقيقية نستطيع من خلالها أن نحقق نهضةً اقتصادية في الأردن بأن يُرفد الوطن بدخلٍ قومي جديد يفوق حتى دخل تصدير النفط إلى العالم..
فلنصدر إذاً بلدنا إلى العالم، لنصدر ما نملكه من سياحة علاجية وطبية، لنصدر المشاتي والمصايف والينابيع الطبيعية والغابات والصحارى والشواطىء، لنصدر ما يملكه الأردن من أماكن مقدسة للديانات السماوية من كنائس ومعابد وأضرحة ومقامات، لنصدر تاريخنا وإرثنا وحاضرنا ..
فالنفط، وبفرض أنه موجود بالكميات الهائلة التي تحدثنا عنها سابقا ، فإنه سيكفي الأردن للسنوات القادمة المذكورة ،غير أنه زائلٌ لا محالة، وبدلاً من أن نبذل الوقت والجهد والتكلفة العالية باستخراج برميل نفط في حال الاتفاق على وجوده، فلنبذل الجهد في الترويج لآثار ومعالم وحضارةٍ وطبيعةٍ خلابة عمرها آلاف السنين وباقية لآلاف سنين أخرى..
العملية بسيطة لكنها بحاجة إلى أفقٍ واسع ورؤيةٍ مستقبلية ولا تتم في ليلةٍ وضحاها:
بداية : لا بد من فتح باب الفرص أمام المستثمر الأجنبي والعربي والأردني ليستثمر في هذه الأرض الخيّرة بمشاريع سياحية تعود بالفائدة عليه وعلى أردننا ، ولكن علينا دعم هذا المستثمر وإغراؤه بإعطاء الدولة له أراضٍ شبه مجانية وتسهيلاتٍ جادة تتمثل بتعديل القوانين والتشريعات والإعفاء من الضرائب، فتكثر الفنادق والمنتجعات السياحية في البحر الميت ، العقبة ، جرش ، عجلون وادي رم...الخ.. ويكثر السياح وتنشط المنطقة على كافة الأصعدة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياَ، وتقام المهرجانات والتظاهرات الفنية ويختلط أهل المنطقة وسكانها بشعوب وثقافات مختلفة ويعمل السكان في هذه المنشآت السياحية فيزيد دخلهم وتتطور علاقتهم مع الآخر ويتعلم ويعمل أبناؤهم وتصبح الدولة غير مسؤولة عن البطالة وتقل الخلافات والتجاذبات وتعمر البيوت..
ولو وضعنا خريطة الأردن بالكامل وقمنا بدراستها دراسة تمحيصية بهدف التخطيط لنهضةٍ سياحية بكل معنى الكلمة وبكافة أنواعها فسنخرج بالتالي :
- السياحة الترفيهية : الطموح هو إنشاء 1000 فندق من فئة 3-4-5 نجوم ، كل فندق يعمل فيه حوالي 400 شخص، بذلك نكون قد خلقنا فرص عمل لـ400000 شخص، وبوجود 1000 فندق لا تقل تكلفة أحدها عن 30 مليون دولار، فإننا نكون قد أدخلنا 30 مليار دولار إلى الوطن خلال 5 سنوات فقط ...
إنني أدعو إلى المزيد من الاهتمام بقطاع السياحة لتتحول من مجرد سياحة ترويجية تعتمد على نشرة أو خبر أو احتفالية إعلامية أو برنامج تلفزيوني، إلى صناعةٍ حقيقية مشجّعة للاستثمار بـ فنادق ومطاعم ومقاه ومولات وسينمات إضافةً إلى إنشاء الكليات المتخصصة في التدريب السياحي والفندقي التي ترفد هذا القطاع بالمهارات الأكاديمية الداعمة.
بعملية حسابية ، فإن هذا يعني أننا وخلال 10 سنوات سنخلق 500000 وظيفة مضمونة في وطنٍ هو كنزٌ من التاريخ والحضارة.
ولو قمنا من باب العرض بحساب دخول 70 مليون سائح سنوياً إلى الأراضي الأردنية ( بالمناسبة لا أتحدث بالخيال ) ولو حسبنا أن كل سائح صرف 1000 دولار فإن هذا يعني 70 مليار دولار " دخل نقدي " للأردن ، ويعني 7 مليارات دولار كدخل للحكومة الأردنية من المتأتي عن ضريبة المبيعات التي تبلغ 10 بالمئة .
- السياحة العلاجية والطبية: إن الأردن بفضل طبيعته وينابيعه المعدنية يمكن للزائر فيه الحصول على الراحة الجسمية والنفسية وزيارة المصحات وأماكن الاستشفاء التي ستكون جزءاً من الفنادق الضخمة على شواطىء البحر الميت والعقبة وحمامات ماعين وعفرة والمياه الكبريتية في الأغوار وخاصةً منطقة الحمة، إضافة للمستشفيات الحديثة الموجودة حالياً والمزودة بالأجهزة والمعدات المتقدمة المتركزة في غالبيتها في العاصمة عمان، ويسأل كثيرون : لماذا لا يتوزع كل ذلك على كل مناطق الأردن فيصبح لدينا 100 مستشفى جديد متطور يضم الخبرات والمهارات الطبية الأردنية في الداخل والخارج ، من خلال استقدام أطبائنا المتميزين حول العالم فيعودوا إلى وطنهم الأم ليقدموا علمهم ومهاراتهم إلى من يحتاجها .
- السياحة الثقافية : وتتمثل بإقامة العديد من المهرجانات الثقافية السينمائية والفنية والموسيقية في المدرج الروماني ومدرج الأوديون ومدرج جرش وفي قلعة الكرك والربض وأم قيس والبحر الميت والعقبة والبتراء " درة الأماكن التاريخية وقبلة أنظار السائحين في كافة أنحاء العالم " إضافةً إلى بناء المسارح ودور العرض المختلفة والمراكز الثقافية وتوزيعها على كافة أنحاء المملكة.
- السياحة التعليمية: وتتمثل بإنشاء وتأسيس فروع لمدارس عالمية وجامعات وكليات متخصصة في كافة الاختصاصات العلمية ترفد سوق العمل وتكون قبلة لكل طلاب الوطن العربي لينهلوا علماً على أعلى المستويات ويعيشوا في بيئةٍ اجتماعيةٍ عربيةٍ إسلامية مناسبة وفي بلدٍ مشهودٍ له بالأمن والأمان والترحاب.
- السياحة التاريخية والأثرية والدينية - : ففي بلدٍ تعاقبت عليه حضاراتٌ وشعوبٌ عدة خلال العصور الغابرة، ويحتوي على العديد من المواقع التاريخية والأثرية والدينية من مثل كهف الرقيم الذي وقعت فيه قصة أصحاب الكهف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، ومقامات الصحابة ومؤتة واليرموك " أرض المعركة في قاع الجولان " ومن مثل المغطس في منطقة وادي الخرار الذي وقف عليه المسيح عليه السلام وهو ابن الـ30 عاماً بين يدي النبي يحيى عليه السلام لكي يتعمد بالماء ويعلن من خلال هذا المكان بداية رسالته التبشيرية، إضافةً إلى الكثير من الكنائس والمعالم الدينية المختلفة ، نقول : في بلد مثل هذا ، لماذا لا نرمم هذه المواقع الدينية المقدسة لتصبح أمكنةً للحج والزيارة ، يقصدها الحجاج والزوار من كل أنحاء العالم يجيئون إلى وطنٍ وأرضٍ هي مهد الديانات السماوية الثلاث ، مهد الحضارات ومركزٌ للتقدم والتطوير والتحديث انطلاقاً نحو العالمية..
هذه العالمية التي أرجوها ونرجوها جميعا ، لن تتحقق بدون تضافر كل الجهود ومن كافة الأطراف والمؤسسات بوضع مخطط تنظيمي وخطة عمل حقيقية تتسم بالشفافية في عمل الحكومات والمصداقية في التعاون مع المستثمر على أن يترافق هذا كله بمجموعة من الإنجازات من توسيع للمطارات وشبكة الطرق وتهيئة قطاع النقل باستقدام أحدث الآليات من سيارات أجرة وباصات إلى حل لمشكلة المياه من خلال تحويل مياه البحر في خليج العقبة إلى مياه عذبة ونقلها وتوزيعها على كافة أنحاء البلد .
في النهاية :
حذار أن يقال : إن هذا أضغاث أحلام ونسج خيال ! .
د. فطين البداد