على عتبة الاختيار: الموقف الرسمي الأردني والثورة السورية

تم نشره الأحد 21st آب / أغسطس 2011 02:54 صباحاً
على عتبة الاختيار: الموقف الرسمي الأردني والثورة السورية

عندما تفجرت الثورة التونسية ضد نظام زين العابدين بن علي والتي انتهت بهروب الرئيس التونسي السابق مع زوجته وعائلته إلى المملكة العربية السعودية، كان العالم العربي والغربي يتابع باهتمام ما يجري من متغيّرات على الساحة العربية مستغرباً هذه الحالة الاستثنائية ...
ثم انتقلت عدوى الثورة والمطالبة بالإصلاح والتغيير إلى مصر، رغم أنها كانت على أبواب انطلاقة ثورة عارمة حتى ولو لم تقم الثورة التونسية : فالشعب المصري وصل إلى درجة الغليان ، دون أن نغفل أن التونسيين سرّعوا في انفجار غضب المصريين الذين لم يمهلوا مبارك ليصلح أمره سوى هنيهات ومن ثم طالبوه بالرحيل هو ونظامه البليد .
,وعندما أصبحت نظرية الرحيل " فعلا " واقعا على الأرض ، بدأ الشارع العربي والرأي العام العالمي معنيا ومهتما بمتابعة مجريات الأحداث ، والتسمر لساعات أمام شاشات التلفزيون والانترنت نظراً لموقع مصر المركزي ولدورها المحوري والطليعي ليس فقط في تحريك الأحداث بل في صناعتها ، وأيضا لعلاقة مبارك المقرّبة من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ، ثم كان المصير المتوقع : إذ تخلّت عنه الأولى في زمن قياسي : ( 18 يوما من بدء الثورة ) حيث طالبته بالتنحي ، بينما لم يقدم الإسرائيليون له من مساعدة سوى صلاة " حاخامات " بثتها وسائل الإعلام العالمية .
لقد كان في انتصار الثورتين التونسية والمصرية - على الأقل في التخلص من نظام الحكم الديكتاتوري - إشارة إلى شعوبنا العربية التي تعاني الأمرين ، بضرورة وأهمية التحرّك الشعبي فكان أن اندلعت وفي الوقت نفسه الثورات : اليمنية فالليبية فالسورية..
وقد استخدم رأس النظام في كلٍّ من البلدان الآنفة الذكر نفس الوسائل ، وتحدث بذات اللغة ، غير أن رد الفعل العربي " الرسمي " والغربي تجاه هذه الممارسات كان مختلفاً تجاه كل نظام ، بحسب أهميته وموقعه وقربه :
فدول مجلس التعاون الخليجي وقفت إلى جانب الثورة اليمنية وعملت على طرح مبادرة تضمن تهدئة الأوضاع في اليمن عن طريق انتقال سلمي للسلطة والتنحي التدريجي للرئيس علي عبد الله صالح وفق شروط تضمن سلامته وسلامة عائلته ، ولم تجد دول المجلس أي حرج جراء جولات التفاوض المكوكية بين مختلف أطراف المعادلة اليمنية ، نظراً لارتباط مصالحها معه ولأن في استقرار اليمن استقرارا لدول الخليج وسلامتها، بغض النظر عما تبع ذلك من أحداث ومواقف وتطورات ناتجة عن أفعال علي عبد الله صالح المتشبث بالسلطة حتى آخر نفسٍ .
وأما الثورة الليبية ، فقد وقف العالم بأجمعه : أميركا والاتحاد الأوروبي وتبعتهم الجامعة العربية مع الليبيين في ثورتهم ضد الطاغية القذافي منذ اليوم الأول ، وذلك بفرض عقوبات دبلوماسية وسياسية واقتصادية على نظامه ، أعقب ذلك إجماع على التدخل العسكري : " حلف الناتو " وتسليح الثوار وضرب المواقع الاستراتيجية والعسكرية في ليبيا حتى باتت نهاية القذافي قاب قوسين أو أدنى .
أما فيما يتعلق بالثورة السورية التي بدأت مطالبةً أولاً بالإصلاحات الشاملة قبل إصرارها على تغيير النظام، فقد رافقها صمتٌ عربيٌ ودولي رغم كل ما تعرّض له الشعب السوري منذ بداية انطلاقة الثورة من : حملات اعتقالات وتعذيب وقتل برصاص أجهزة النظام من أمنٍ وجيشٍ : غادر ثكناته العسكرية ليس إلى الأرض السورية المحتلة ، بل نحو الداخل : مدن حمص وحماة ودير الزور واللاذقية وغيرها، بحجة تخليص الوطن من الإرهابيين والمندسين والعصابات المسلحة وما إلى ذلك من " أفلام " لا تنطلي على أحد .
ورغم أن الشارع العربي حسم أمره منذ البداية في الوقوف مع السوريين ، إلا أن الصمت العربي والغربي " الرسمي " بقي مخيما على أفواه الجميع باستثناء تركيا التي دعت إلى تغليب لغة الحوار والبدء الفوري بالإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري المظلوم .
وأما شعبنا الأردني ، فقد وقف منذ بداية الأحداث في درعا إلى جانب أشقائه السوريين فاستقبلهم في دياره واعتصم لأجل حريتهم وخرج في مسيرات تطالب بوقف مجازر النظام وطالب بفتح الحدود واستقبال الهاربين من الموت الزؤام .
غير أن الموقف الأردني الرسمي بقي صامتاً وحيادياً مكتفياً بعبارة ( الأردن يراقب بقلق شديد الأحداث الدائرة في سوريا ) دون أي تحرك أو أية إجراءات اقتصادية أو دبلوماسية حيال سورية، مكتفياً ومنشغلاً بشأنه الداخلي من إصلاحات اقتصادية وسياسية وتعديلات دستورية وكأنه ينتظر معجزة خارقة أو بصيص أمل بوقوع مفاجآت تضمن استقرار سوريا الذي سيلقي بظلاله حتماً على الأردن..
فقد صرّح ناصر جودة وزير الخارجية مؤخرآً بأن " استقرار سوريا ونظامها خط أحمر " لأنه بالتالي سيضمن استقرار دولة مجاورة هي الأردن..
وبدلاً من تصعيد الخطاب السياسي الأردني ضد ممارسات الرئيس السوري بشار الأسد وأجهزة نظامه الأمني باستدعاء سفيرنا في سوريا للتشاور أو بطرد سفير النظام ، فقد تـُرك الحبل على الغارب ، وها هو الناشط السياسي الدكتور ابراهيم علوش يصدر بياناً صحفياً حول زيارة اللجنة الشعبية الأردنية إلى دمشق ، ويدافع عن النظام دفاعا مستميتا ،مع التنويه أن هذه اللجنة لا تمثل إلا نفسها وزارت دمشق بالتنسيق مع السفارة السورية بعمان .
ثم ما لبث وأعقب هذا البيان وهذه الزيارة قصف للزوارق السورية لمنطقة الرملي الجنوبي في اللاذقية وهي منطقة تجمّع للفلسطينيين ضارباً، أي النظام السوري، عرض الحائط ادعاءاته وشعاراته بدولة الممانعة والمقاومة.
ولأن إعلام اليوم بات يعتمد على المواطن العادي في الشارع ليكون المراسل والصحفي الذي يصور وينقل الحدث على حقيقته ، فقد بات يفضح من خلال ما يصوّر ويوّثق فظائع النظام السوري وما يرتكبه من مجازر بحق شعبه الأعزل، مما أثار أميركا وأوروبا فاتخذتا مواقف تعكس نفاد صبرهما حيال النظام ، وهي فظائع أثارت – ايضا - دول مجلس التعاون الخليجي التي صعدت من لهجتها ونددت بممارسات الأسد ونظامه الوحشي ضد ثورة شعبه السلمية ، في حين يقف الأردن على عتبة اختيار موقفٍ تجاه ما يجري من أحداث : فهو يريد الاستقرار لدولة مجاورة لا يريد لها الفوضى واندلاع حرب أهلية تؤثر وتنعكس على الأردن خاصةً في حال صعود الإسلاميين إلى الحكم هناك ، كما أنه حليف لواشنطن التي توفر له دعماً اقتصادياً وسياسياً، ويستعد للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي حيث تبادل المنافع الأمنية والسياسية وأيضاً الاقتصادية..
لقد بدأ العد العكسي لجهة المطالبة بتنحي بشار الأسد ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب بحق السوريين ، وعلى الأردن أن يتخذ موقفاً رسمياً واضحاً وشرساً تجاه آلة القمع في سوريا، فالتزام الصمت لم يعد يجدي خاصةً بعد التحرك الدولي والمواقف الاقليمية والدولية التي باتت واضحة ، وهي مواقف تناصر الشعب السوري وثورته نحو تحقيق الحرية والكرامة وبناء دولة مدنية ديموقراطية حرة تمثل جميع أطياف الشارع .
سوريا بلد عربي عزيز ، يصر حكامه أن يعيثوا فيه فسادا حتى آخر قطرة دم زكية تنزف من جسد طفل سوري ، وامرأة سورية ، وشيخ سوري ، وقد آن الأوان لنا في الأردن أن نكون حاسمين وحازمين وغير مترددين .آن أوان ذلك الآن ، وليس غدا .

د. فطين البداد       

fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات