الصومال وحق الحياة

تم نشره الأحد 14 آب / أغسطس 2011 01:27 صباحاً
الصومال وحق الحياة

يبدو أن العالم - بأجمعه - يعيش حالة من الاضطراب هذا العام : حروب هنا ، فوضى هناك، قتلى ودماء، موتى وجياع ..!! ..
ها هو الوطن العربي – أيضا - يغلي ويثور ضد آلات القمع والاستبداد والقتل ، ينتفض بجرأة وبسالة نابعين من عميق إيمان شعوب ذاقت الأمرين ولكنها ترنو الآن لنيل الحرية والكرامة : حرّيتها ممن جثم على صدورها وعقولها أحقابا من العبودية ، وكرامتها ممن أذلها وفعل بها الأفاعيل : ذلك الذي قتل ونفى وعذب وسرق وتآمر وظلم وقال " أنا ربكم الأعلى " ..
تريد شعوب العرب أن تقتص ممن شرّدها ويتم أطفالها ورمّل نساءها وألغى مواطنتها وإنتماءها دون أن يرف له جفن ، أو يخشع له قلب .
إنه صراع الإنسان الحرّ في مواجهة الظلم والاستغلال والإستعباد ضد أولئك الذين خانوا ضمائرهم وأوطانهم ودينهم في سبيل مصالحهم الشخصية وطموحاتهم في البقاء على سدة الحكم ، شاء من شاء ، وأبى من أبى !! ..
أما في الصومال - تلك الدولة التي كانت أحد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم والواقعة في منطقة استراتيجية وذات أهمية جيوسياسية خاصة - فإنها تخوض اليوم صراعا من نوع آخر: صراع بقاء من أجل الحياة، حيث يجوع الناس ويموتون أمام الكاميرات ، بسبب أسوأ موجة جفاف تضرب القرن الإفريقي والمنطقة منذ حوالي نصف قرن..
ولأن المقام والمساحة لا تسمحان لي بالإيغال في التاريخ بشكل معمق ، فإني لا أجد بأسا من التذكير بأن الصومال هذه ، العربية المسلمة ، بلد قوي وعنيد ، فهي لم تقع بسهولة تحت وطأة الاستعمار ، بل تمكنت من صد هجوم الامبراطورية البريطانية لسنوات استمرت حتى عام ١٩٢٠ ، ولم تسقط إلا عندما استخدمت القوات البريطانية الطائرات وبضراوة للسيطرة عليها ، وبذلك تحولت كل أراضي الدولة الصومالية إلى مستعمرة تابعة للامبراطورية البريطانية، ولكنها عادت في عام ١٩٦٠ دولة مستقلة تحت اسم جمهورية الصومال الديموقراطية ، وكانت دولة فاعلة وقوية حيث تم قبولها عضواً في جامعة الدول العربية في عام ١٩٧٤ نتيجة لعلاقاتها الأخوية والتاريخية التجارية والدينية مع مختلف أقطار الوطن العربي، وهي من الأعضاء المؤسسين لمنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك هي عضو في منظمة الأمم المتحدة وحركة عدم الإنحياز ، ولا بأس من التذكير – أيضا – بأن الصومال عملت على توطيد علاقاتها بباقي الدول الافريقية فكانت من أولى الدول المؤسسة للاتحاد الافريقي، هذا الاتحاد الذي خان أعضاءه فلم يكن سنداً لهم في الأزمات والكوارث كما هو حاله اليوم بالنسبة للصومال التي ما كانت ستتعرض للجوع أو غيره ، لو كانت مجموعة الدول الافريقية تنتهج سياسة اقتصادية تخدم شعوبها وتقيهم شر العوز والمسألة، وشتان بين هذه المنظمة وما تفعله أوروبا التي تعيش تكاملاً اقتصادياً : إذ لو ترك الاتحاد الأوروبي كل بلد لشأنه لتمزقت القارة وقامت فيها الحروب ، وجميعنا شاهدنا - مؤخرا - أزمة اليونان الاقتصادية كيف تحولت من أزمة دولة إلى شأن أوروبي بنفس القدر والأهمية..أما الدول الافريقية ، ومعها الدول الإسلامية ، فإنها قد أخطأت وما تزال حينما نأت بنفسها عن إنقاذ هذا البلد ، رغم أنها تعلم أن ٣٠ ألف طفل صومالي قد توفوا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ، و٦٠٠ ألف طفل يواجهون شبح الموت و٣ ملايين إنسان مُعرضون للهلاك ، فضلاً عن تشريد حوالي مليوني شخص موزعين بين عدد من المخيمات داخل البلاد وفي دول الجوار، بينما العرب والمسلمون والأفارقة صامتون تجاه ما يرونه من جوع ومآس ومشاهد تقطع الأنفاس والقلوب.
فلنسارع وننقذ الصومال من أيدي الغرب لأنهم سيعملون على احتلاله ونهب ثرواته بحجة المجاعة التي تضرب البلاد وتفتك بالعباد ، وعادة ما يتم ذلك على يد جمعيات لها أهدافها وغالبا تتقمص دور المنقذ والمخلص ،وترتدي قناع الملاك وتتلفع بمسميات " منظمات إنسانية وحقوقية ومؤسسات أطفال دولية .. إلخ .. " تماماً كما كان الحال مؤخرآً مع السودان الذي قسموه إلى دولتين : شمال وجنوب واحتفلوا بهذا التقسيم ، بينما وقف العرب متفرجين صامتين مكتوفي الأيدي : مجرّد شهود عيان على تقسيم أوطانهم..
فلنتحمل مسؤوليتنا إذن كعرب ومسلمين تجاه الصومال، ولنقدم الدعم والحلول والإمكانيات والمعونات والخطط والاستراتيجيات حتى نوقف هذه الكارثة المفجعة وهذه الأزمة الإنسانية الفظيعة .
لنحوّل هذا الاهتمام الذي نتحدث عنه في وسائل الاعلام ونصوّره ونبثه صوراً وكلاماً إلى ترجمة فعلية على الأرض، فالإعلام يساهم في إيصال الصورة ولكنها، أي الصورة ، مهما بدت واقعية ، فإنها ما تزال بعيدة عن حقيقة معاناة الصوماليين ..
لنتكاتف ونعمل يداً بيد في هذا الشهر الفضيل الكريم وما بعده ، على إيقاف مأساة " مخجلة " تحدث لإخواننا وأشقائنا في " الإنسانية " : هذه الصفة، التي بدأت تضمحل رويداً رويداً وتوشك على الإختفاء من قاموس لغتنا وقاموس أفعالنا وسلوكنا لمصالح شخصية أو لغايات وسياسات دولية..

إن كان الصراع من أجل الحرية حقا مقدسا ومشروعا ، فالصراع من أجل لقمة الخبز مقدس ومشروع أيضا ، وهو من أبسط حقوق الإنسان للبقاء على قيد الحياة .

د. فطين البداد       

fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات