فلسطين في طريقها إلى الأمم المتحدة

تم نشره الأحد 18 أيلول / سبتمبر 2011 12:29 صباحاً
فلسطين في طريقها إلى الأمم المتحدة

رغم كل ما يمرّ به الوطن العربي اليوم من أزمات وانتفاضات شعبية تطالب بالحرية والكرامة وتدعو إلى إسقاط الطغاة ومحاسبتهم على أفعالهم، ورغم انشغال شعوبنا العربية الحرة بترتيب بيتها الداخلي بعد انتصار ثوراتها أو نضالها اليومي في سبيل تحقيق هذا النصر ودفعها للغالي والنفيس من أجل هذه الغاية ، فإن قضية فلسطين كانت وما تزال قضية العروبة الأولى التي عاشت الأجيال وتربت عليها وعلى حق شعبها الفلسطيني بالحرية والحياة الكريمة على أرضه وفوق تراب وطنه.
واليوم ، تخوض فلسطين معركة " رمزية ومعنوية " كخطوة أولى لإنهاء الإجحاف التاريخي بحق شعبها الذي يعد الشعب الوحيد في العالم الذي لا يزال تحت الاحتلال ، والهدف : نيل الاعتراف بالدولة المستقلة ذات العضوية الكاملة من قبل الأمم المتحدة ، ضمن حدود الرابع من يونيو/ حزيران ١٩٦٧ وانضمامها إلى باقي دول العالم بعاصمتها : القدس الشرقية .
هي معركة " رمزية ومعنوية " : فهناك احتلال وفيتو متوقع وصعوبات ، رغم أنه كان لفلسطين كل مقومات الدولة : الأرض والشعب والقيادة ، قبل الاعتراف بدولة اسرائيل في العام 1948 ، غير أن الإنتداب الإنجليزي المتواطئ مع الصهيونية ، والذي كان يخطط لقيام إسرائيل على أرض فلسطين حال دون إعلانها كدولة مستقلة أسوة بتقسيمات سايكس بيكو ، ومن المؤكد أنه وبعد إعلان قيام اسرائيل واغتصابها لما يقرب من 80 % من أرض فلسطين حيث فاق ذلك حدود قرار التقسيم ، فقد كانت ولا تزال هي العائق الأكبر أمام قيام أي دولة فلسطينة ، يؤازرها في ذلك قوى عظمى تتعهدها - منذ إنشائها - بالحماية والرعاية .

وحيث إن هذا التوجه : ( اللجوء للأمم المتحدة ) لم يكن مطروحا قبل عام واحد من الآن ، فقد كان الأميركيون يعملون على إعادة إطلاق المفاوضات مع الإسرائيليين، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أطاح بالمفاوضات عندما أعلن على الملأ تحديه لأوباما ورفضه تجميد الاستيطان وتهويد القدس ، وبعد يأسهم من المفاوضات العقيمة التي امتدت ما يقرب من عشرين عاما ( مؤتمر مدريد ) والتي لم تحمل أي برنامج زمني للقبول بالدولة الفلسطينة ، لم يجد الفلسطينيون من سبيل سوى اللجوء إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بهم كدولة .
تباينت ردود الفعل تجاه هذه الخطوة ، ففي حين تمارس مصر وتركيا والدول العربية جهوداً دبلوماسية لنيل اعتراف ١٢٨ دولة في الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر أي بعد أيامٍ قليلة، تأتي تصريحات هيلاري كلنتون بمثابة " فيتو أولي " عندما قالت : ان طريق الدولة الفلسطينية هي المفاوضات بين رام الله - والقدس وليس نيويورك ، بينما وزير خارجية روسيا سيرجي لافيروف قال رداً على سؤال حول مدى إمكانية تصويت روسيا لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية: "أنه لا توجد قضية اعتراف بدولة فلسطين بالنسبة لروسيا فنحن قد اعترفنا بهذه الدولة عام ١٩٨٩ وإن سفارة فلسطين تعمل في موسكو ".. .. وقد حذت بريطانيا على لسان رئيس وزرائها حذو أمريكا عندما قال ديفيد كاميرون إنه يرى الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة حلا مناسباً ولكن يجب أن يكون هذا في إطار مفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، وكذلك فعلت فرنسا .
ورغم أن هناك شخصيات اسرائيلية عامة ومثقفين يحثون قادة الدول الأوروبية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً، من بينهم رئيس الموساد السابق مائير دغان الذي دعا إلى عدم الوقوف في وجه اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطينية مستقلة في أيلول/ سبتمبر... مؤكداً أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بات أمراً محسوماً ، ووقوف اسرائيل أمام هذه الخطوة سيعجل عملية الاعتراف وبالشروط التي يطرحها الفلسطينيون وليس بشروط اسرائيل، ورأى أن تسليم اسرائيل بالأمر الواقع سيمكنها من تقليص الأضرار الناجمة عن الاعتراف الدولي ، رغم ذلك ، فإن إسرائيل ماضية في غيها ورفضها .

إن الحملات التي تقودها السلطة الفلسطينية لطلب الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة تقض مضاجع الإسرائيليين وقادة الدولة العبرية، مما دعا بحليفتها الولايات المتحدة الأميركية إلى وضع العراقيل أمام هذه العضوية التي أعلنت أنها ستواجهها بالفيتو حيث أكد البيت الأبيض رغبته بمساعدة الفلسطينيين للحصول على دولتهم ولكنه اعتبر أن الذهاب إلى الأمم المتحدة للحصول على اعترافها بهذه الدولة هو أمر غير مجد.. فبرأي أوباما : إن هذه الخطوة تشكل انحرافاً عن مسار السلام ولن تحل مشكلة النزاع في الشرق الأوسط ولذلك خلصت إدارته إلى أنها ستستعمل حق النقض (الفيتو) ضد هذه المبادرة في مجلس الأمن الدولي..
إن تحقيق عضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة والاعتراف بها كدولة مستقلة هو " حلم " الفلسطينيين وهاجسهم الدائم ، وهو مسعى رمزي ومعنوي كما سبق وأسلفت، لكنه بلا شك سيزعزع أمن واستقرار الكيان العبري ، وسيقضي على حلمه المريض في استمرار ابتلاعه للأرض الفلسطينية الأسيرة ، أفلا يستحق منا هذا الأمر بذل كل شيء في سبيل تحقيقه ؟ ..
هذا المسعى وهذه الخطوة المصيرية بحاجة منا شعوبا وحكومات إلى دعم ومساندة على كافة الأصعدة : من حشد للرأي العام العالمي شعبياً واعلامياً ، إلى دعم حكوماتنا العربية مادياً لدولة فلسطين التي تعيش على المنح المالية المقدمة من أميركا والاتحاد الأوروبي والتي ستقطع بالتأكيد امدادتها المالية عن السلطة الفلسطينية ، وكذلك ستفعل إسرائيل بالضرائب ، وبالتالي تخسر مواردها المالية فيجد الفلسطينيون أنفسهم غداً بلا مرتبات والمؤسسات الصحية والتعليمية بلا قدرة على التشغيل.. فهل نحن مستعدون - كعرب - للالتزام بواجبنا تجاه قضيتنا العربية الأولى التي طالما تغنينا بها وأنشدنا لها ورفعنا شعاراتها، أم أننا سنخسر من جديد معركة كهذه تعني كل عربي ومسلم وحر في العالم ؟؟ .
دعونا نقف وقفة حقيقية تجاه القضية الفلسطينية التي طالما رفعت لها حكوماتنا العتيدة شعارات المقاومة ، وثبت أن بعضها جاء لأغراضٍ ومصالح سياسية.. ولئن تعلق الأمر بالشعب العربي الأبي الذي يناضل اليوم من أجل نيل حريته من طغيان قادته ، فإنه لن يقبل مرة أخرى بأن تكون القضية الفلسطينية - بمبناها ومعناها - وسيلة لظلم أكبر وبؤس أغبر وغايات أقذر ، كما أن الشعب الفلسطيني لن يرضَى بأن تكون قضيته شماعة لأي استبداد .

د. فطين البداد       

fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات