على اليمن السلام

تم نشره السبت 24 أيلول / سبتمبر 2011 10:46 مساءً
على اليمن السلام

عاد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى اليمن صباح الجمعة الماضية 23/9 بعد رحلة علاج طويلة في السعودية استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، عقب تعرضه لحروق ولإصابات بالغة جراء انفجار غامض ومثير للجدل في مسجد القصر الرئاسي في العاصمة صنعاء في حزيران/ يونيو الماضي .
تزامنت عودة الرئيس اليمني مع تصاعد حدة الصراع بين مـؤيديه ومعارضيه، لا سيما في العاصمة صنعاء ، مما أسفر عن مقتل المئات وجرح الآلاف..
ما زال صالح ، ورغم ما أصاب بلاده من قتل ودمار وانهيار ، ورغم ما جرى له شخصيا ، متشبثا بكرسي الحكم معتليا أبراجه العاجية البراقة ، وما زال نظامه يستخدم القوة المفرطة في قمع المظاهرات مما يسفر يومياً عن إصابات وخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة ، وهو ما يجعل من اليمن بلدا على مفترق طرق خطير بل على حافة الإنهيار، خاصة وأنه الأشد فقراً في جنوب غرب الجزيرة العربية .
تكهن كثيرون أن صالح عاد يحمل في جعبته حلا يبتدره بخطاب رئاسي يعلن فيه تنحيه عن السلطة حقنا للدماء بعد حكم امتد لـ 33 عاما ، لنفاجأ بانه لا حل لديه ولا خطاب بالتنحي ، بل تحدث - الأحد – عن المبادرة الخليجية وتوقيع نائبه عليها ، وقضى اليومين الماضيين في استقبال وترحاب ، رغم كل الضغوط الاقليمية والدولية وآخرها الضغط الأمريكي بضرورة تسليمه السلطة بطريقة سلسة لنائبه عبد ربه منصور هادي مع ما يعتور الموقف الأمريكي من ضبابية ؟ .
وما دمنا نتحدث عن عودة صالح المريبة ، فإننا نستذكر الأسابيع القليلة التي غاب فيها عن المشهد السياسي اليميني : كيف أن اليمن شهد فيها هدوءا نسبيا ، إلا أنه وبعد أن بدأت التلميحات ، ومن ثم التصريحات بقرب عودة الرئيس ، اتخذت الأمور مساراً خطيراً حيث تزايدت أعداد القتلى والجرحى برصاص القوات الحكومية ، وهو واقع يطرح سيناريوهات مخيفة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور هناك ، حيث بدأ شبح الحرب الأهلية والإضطرابات المختلفة تطل برأسها منذرة بتطاير شررها في كل الإتجاهات وخاصة شمالا ونحو السعودية بالذات ، وهو ما يفسر اعتقاد السعودية الجازم بان أمن اليمن واستقراره هو أمن واستقرار لها وللخليج عامة .
هذا التفاقم في الأزمة ، وعدم الوضوح في الرؤية تجاه المصير اليمني - ككيان سياسي وكشعب واحد - يعود - حسب مراقبين - ( كما هو الحال في الأزمة السورية) إلى غياب القيادة البديلة التي تحظى بالإجماع الوطني ، وهو ما ساهم في تأخير توحيد صفوف المعارضة وأثار مخاوف الغرب وأميركا من عدم وجود بدائل سياسية للنظام الحالي الحاكم ، بدائل قادرة على تسيير شؤون البلاد وتمثيل الشعب اليمني وترتيب البيت الداخلي والتحضير لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة تحقق مطالب اليمنيين في بناء دولة مدنية ديموقراطية موحدة ، وفي نفس الوقت تحقق مصالح الولايات المتحدة والغرب في استقرار المنطقة ، وفي أن لا تكون اليمن قاعدة لـ " لقاعدة " ، وأن لا يشكل اليمن الجديد اي خطر على الخليج والمنطقة ، وهي اعتبارات أخذت بالحسبان خلال تنسيق المواقف الخليجية – السعودية بالذات – من جهة ، والأمريكية من جهة أخرى ، حيث يلتزم الخليج بأمن اليمن حاضرا ومستقبلا كما صرح الدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في زيارته الأخيرة لصنعاء .

ولا بد لي هنا من تحميل المعارضة جزءا من مسؤولية ما يجري حالياً ، حيث إن عليها واجبا يقضي بأن تتجمع وتوحد صفوفها وكلمتها لتمثل الشباب اليمني والشعب اليمني الحر الذي يخرج في مظاهرات مليونية سلمية منذ ٨ أشهر إلى اليوم داعياً إلى الحرية والعدالة وإلى بناء يمن جديد..
كما إن عليهم طمأنة الجيران والسعودية بالذات ، وكذلك العالم وأمريكا بان الحاكم البديل عن صالح ونظامه سيقف في وجه الإرهاب وبأنه يضمن استمرار الإستقرار في معادلة الديموغرافيا والجغرافيا في منطقة تعتبر من أشد المناطق حساسية في العالم ، إذ إنه – وكما يبدو ، فإن أمريكا والغرب لم يقتنعا بعد بأطروحات المعارضة ، بل إنهما متوجسان منها وينظران إليها بارتياب ، وهو ما يشي بإطالة أمد المعاناة الشعبية والإنسانية .
أمام اليمن مساران : المسار الثوري المدعوم بالعصبية القبيلة المسلحة وبالعسكر المنشق ، وهو خيار لو تم اللجوء إليه من قبل المعارضة ، فسيواجه بخيارات عسكرية مجحفلة من النظام وعندئذٍ سيسقط ضحايا كثر وستتكبد البلد خسائر لا قبل لها بها ، وستتحول الأمور في نهاية المطاف إلى حرب أهلية تمتد إلى كل المحافظات اليمنية ، فيغرق اليمن " الذي كان سعيدا " في أزمة لا مفر منها ولا نهاية لها وستكون إيران هنا لاعبا رئيسا في الساحة بحيث سيتداخل الوطني مع المذهبي في بعض المناطق ونعود القهقرى من جديد في صراعات لا تنتهي لعشرات السنين .
أما المسار الآخر ، وهو ما يجب أن يتم الركون إليه والتعاطي معه بكل انفتاح وروية وحكمة : فهو الإحتكام إلى العقل والأخذ في الإعتبار المصلحة الوطنية العليا عبر وحدة الشعب ونسيجه السياسي والإجتماعي قبليا ومذهبيا ضمن دولة " اليمن السعيد " ، وهو خيار لا يركن إلى نجاحه إلا بمساهمة مباشرة وحاسمة من الإخوة في الخليج وكذلك من أميركا التي إن كنا نشدد على أن تضمن مصالحها فلأننا نعلم أنها لن تتدخل إيجابيا في استقرار اليمن إلا إن ضمنت هذه المصالح وعليه قس مختلف الدول الأوروبية التي تشارك أمريكا رؤيتها ومخاوفها ..

السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم يدور حول بقية الحكام العرب الذين تقوم عليهم شعوبهم في ثورات عارمة : كيف أنهم لم يتعظوا ولم يأخذوا العبر من مصير من سبقوهم : فها هو المخلوع بن علي وعائلته يعيشون بحماية دولة أخرى، وها هو مبارك يواجه مع ولديه محاكمات مخزية ويقبع خلف القضبان ذليلاً ضعيفاً، وها هو القذافي في مرمى الثوار مع أولاده ومن يشد على يديه ..
أما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي بات يسمى اليوم بالرئيس " المشوي " فما زال مصراً على تجاهل شعبه ، وتراوحت عودته بين مشهدين : عودة حميدة تحقن فيها الدماء وينتهي الصراع ويتسلم الشعب السلطة ، والآخر : إعلانه ذبح مزيد من اليمنيين الذين علت حناجرالملايين منهم آفاق العالم وأسماع الدنيا مطالبين برحيله ومحاكمته .
ها هو صالح اليوم ، بعد عودته ، يعيد الأسطوانة إياها : فهو مشغول بمجالس الترحيب والسلام والإبتسام ، أما اليمن ، فعليه السلام .

 

د. فطين البداد       

fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات