توكل كرمان
في خضم ما يشهده العالم العربي اليوم من ثورات الربيع العربي التي أعلنت انتفاضاتها على حكامها وعلى النظم القمعية الدكتاتورية التي تحكمها ، فأطاحت ببعضها وما تزال تناضل للإطاحة بمن يأبى الإنصياع لها ولإرادتها الحية النابضة بالعزيمة التي لا تخبو ، والقوة التي لا تلين، فتدك بحناجرها قلاع الخوف وحصون البغي لأولائك النفر الذين يختارون انهيار ودمار بلادهم وموت وتشرد شعوبهم على التخلي عن كراسيهم وأبراجهم ، وكبرهم المريض ، وغرورهم البغيض . .
أقول : في خضم هذا الصراع المحتدم ، وهذا الجرح النازف تطلُّ علينا بشائر تضوع منها نسائم الحرية الفتية ، وروائح النصر الزكية ، متمثلة بمنح جائزة نوبل للسلام هذا العام للناشطة الحقوقية العربية اليمنية " توكل كرمان " لتكون - بذلك - أول امرأة عربية ورابع شخصية عربية تحصل على هذه الجائزة الرفيعة .
و بحصول " توكل كرمان " على هذا التكريم ، تكون هذه المرأة - الأنموذج - قد حققت للشعب اليمني والمرأة اليمنية بشكل خاص ، والعربية بشكل عام ، انتصاراً ساحقاً باعتراف العالم والمجتمع الدولي بأحقية الثورة اليمنية وحتمية انتصارها، لتثبت هذه المرأة العربية ذات الـ ٣٢ ربيعاً بأنها قادرة على لعب دور في تحقيق السلام والديموقراطية ، رغم كل ما يحيط بها من أزمات وعقبات وإحباطات تتجاوز تلك التي يعاني منها الرجل العربي .
إن المرأة العربية اليوم ، عندما أتيحت لها الفرصة - في ظل هذا الربيع - لتعيش في أجواء من الحرية ، أثبتت أنها قادرة على تحمل مسؤولياتها تجاه وطنها ومواطنيها، وعلى النضال بسلمية من أجل ضمان الأمن للنساء والحصول على حقوقهن للمشاركة الكاملة في عملية بناء السلام والعدالة ، فهي جزء لا يتجزأ من مجتمعها ، بل هي أساسه ونواته ، وهي ضمانته نحو مستقبل أكثر حرية وتطوراً وإشراقاً..
إن إمرأة حرة تنتج مجتمعا حرا : مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمدنية ، هذا هو ناموس الكون وطبيعة الاشياء .
وتوكل كرمان ، استطاعت - مع بزوغ فجر الحرية - أن تكسر حاجز الخوف ، وأن تقول كلمتها بملء فمها ، وباتساع صدرها الذي ضم اليمن ، كل اليمن : برجاله ونسائه وطوائفه وقبائله ومذاهبه ، ومن أجل ذلك خرجت ونادت بأعلى صوتها : " يسقط علي عبد الله صالح " فاتحة الباب على مصاريعه أمام نساء اليمن ليشاركن أخاهن وأباهن وابنهن وبعلهن - الرجل اليمني - ثورته ونضاله في سبيل بناء دولة اليمن الجديدة، متعدية بذلك حدود اليمن لتنير الدرب أمام نساء العرب ليكن أكثر وعياً بحقوقهن ومواطنتهن وواجباتهن ودورهن تجاه الوطن والمواطن..
هذا التكريم التي استحقته بجدارة توكل كرمان - ككاتبة وصحافية وناشطة سياسية ورئيسة لمنظمة " صحفيات بلا قيود " وكمدافعة عن حرية الصحافة وحقوق المرأة والإنسان في اليمن - هو تكريم لكل العرب والمسلمين ، ولكل النساء في العالم .
هو إشارة وتأكيد وتوثيق : أن من يقوم بهذه الثورات العربية السلمية ليسوا بالسلفيين ولا بالجماعات الإرهابية المسلحة كما يروج الحكام العرب ليحموا أنفسهم ويستميلوا الغرب ضد بلادهم وشعوبهم انطلاقا من دفاعهم عن سلطانهم ومناصبهم ونرجسيتهم ، ، بل هي ثورات شعوب عانت الأمرين ، وآن أوان صرختها التي كانت محبوسة في القلوب والحناجر والصدور : آن أوانها أن ترتفع وتدوي في كل الآفاق من أجل صناعة التاريخ .
دور المرأة العربية كبير وعظيم وبعيد جدا : فهي سليلة زنوبيا وبلقيس وجوليا دومنا وخولة بنت الأزور وأروة بنت الحارث وغيرهن .. وهي سليلة تاريخ طويل من المعاناة والنضال وصنع المعجزات لبناء السلام.. والطمأنينة والحب .
هنيئاً لتوكل كرمان المناضلة اليمنية العربية التي استحق تاريخها ونضالها جائزة نوبل للسلام ..
وهنيئاً لكل امرأة عربية كسرت حاجز الخوف والصمت فخرجت تشارك في صناعة مستقبلها وبناء مستقبل بلادها ..
..وهنئياً للشعوب العربية انتفاضتها على الظلم والاستبداد وفخرها بأبنائها وبناتها .
د. فطين البداد