شعب واحد .. وطن واحد
يعيش المشرق العربي منذ أحقاب طويلة حالة من التمازج والانسجام بين مواطنيه وشعوبه ، فلا تفريق بين مذهب وآخر ، ولا بين طائفة وأخرى : فالجميع متساوون على أساس المواطنة والعيش المشترك والارتباط الوطني ...
ويغيب عن البعض أن هناك مخططا غربيا صهيونيا لإفراغ المشرق العربي من مسيحييه عبر الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ، أو بدفعهم إلى المطالبة بكيانات انفصالية على أساس ديني و " عرقي " : ( الأخيرة سنعود إليها في السياق ) وذلك كله في سبيل مصلحة إسرائيل التي تقوم على أسس عنصرية وطائفية ، لإحداث تغييرات في حقائق تاريخية راسخة تجذرت عبر آلاف السنين على أرض سوريا الكبرى وبلاد النيل..
إن هذه الخطة الغربية الصهيونية الخبيثة والتي لا ينتبه إليها – للأسف - غالبية المسيحيين والمسلمين العرب على حد سواء ، ما تزال تُمارس إلى اليوم ، وما تزال تغذيها وتدعمها أنظمة الحكم العربية الفاسدة لما فيها من زعزعة للوحدة الوطنية وإثارة للبلبلة والخلافات بين أفراد الوطن الواحد ، مما يضمن لهؤلاء الحكام بقاءهم ويعزز من استمرارهم وسيطرتهم ونهبهم واستنزافهم لأموال وخيرات الشعوب والأوطان.
إن المؤامرة الكبرى التي تتعرض لها شعوبنا العربية في أيام ربيعها العربي وثوراتها المباركة ، هي اللعب على وتر النعرات الطائفية التي نجح الحكام - عبر سني حكمهم - في العزف عليه وترسيخه في عقول المتطرفين من مسلمين أو مسيحيين ، حيث يشعر المسيحيون بأنهم مستهدفون في وجودهم ، فأضحوا خائفين متوجسين في أوطانهم وبلدانهم .
إن أحداث ماسبيرو الأخيرة في القاهرة ليست سوى تأكيد على خباثة ودناءة هذه المؤامرة التي حرّض عليها رجالات حسني مبارك ونظام حكمه السابق ، ليثبتوا للمصريين أولاً ، وللعالم ثانياً أن الثورة المصرية أفقدت مصر نعمة الاستقرار والتعايش التي كان المصريون يحيونها في عهد الرئيس المخلوع ، متناسين أن من جاع وشرد وهجر واعتُقل وعُذب وأُهدرت كرامته هو المواطن المصري : مسيحيا ومسلما على السواء ، ومتناسين : بأن وزير داخلية الرئيس المخلوع حبيب العادلي - مثلا - كان وراء تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة .
وعودة إلى ما وعدت بالعودة إليه أعلاه وأعني به : ( الأساس العرقي ) : فلقد خرج الأقباط المصريون ونادوا وتنادوا
بأنهم أهل البلاد الأصليين ، فاستغل البلطجية والمندسون من أزلام النظام السابق ذلك ليثيروا الفوضى وليقع التصادم بين الجيش والشعب ، فيتهدد بذلك أمن المجتمع المصري وتنقلب صورة الثورة الجميلة إلى صورة بشعة دامية عنصرية وطائفية .
إن الأولى بنا اليوم - مسلمين ومسيحيين - وسط كل هذه التحديات والمؤامرات - أن نتسلح باليقظة والحكمة لإجهاض هذه المؤامرة كي لا نعود إلى الخلف ، وكي لا نحقق لأعدائنا من الداخل والخارج غاياتهم وأهدافهم بإبقائنا في حالة دائمة من الفوضى والعنف والخوف والذعر ، بدلاً من أن نتقدم إلى الأمام ونحقق طموحات شهدائنا الذي ضحوا بأرواحهم في سبيل أن ننال الحرية والديموقراطية ، وأن نبني دولتنا المدنية الحديثة.
إن أخطر ما يهدد أمن الوطن هو هذا العبث المتعمد بالوحدة الوطنية وإثارة الفتنة بين المسيحيين والمسلمين.
فلنمض معا نحو غد واحد ، نبني فيه مجتمعنا الديمقراطي : ذلك المجتمع الذي طالما حلمنا به وتمنيناه .
د. فطين البداد