فلسطين .. وإن طال الزمن

تم نشره السبت 05 تشرين الثّاني / نوفمبر 2011 11:24 مساءً
فلسطين .. وإن طال الزمن

في ٣١ – ١٠ – ٢٠١١ صدر القرار التاريخي بقبول عضوية كاملة لفلسطين - كدولة - في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، المعروفة باسم (اليونيسكو ( .

هذا القبول الهام يُعتبر نصراً دبلوماسياً ومعنوياً لفلسطين وتكمن أهميته في بُعده الحقوقي الإنساني وليس في شقه السياسي فحسب..

هي لحظة تاريخية تعيد لفلسطين بعضاً من حقوقها ، لأن اعتراف اليونيسكو بها - بما تمثله هذه المنظمة من ثقل ذي أبعاد مختلفة - هو اعتراف بالوجود الفلسطيني برمته : أرضاً وإنسانا وثقافة ً وتاريخا وهوية .

الصراع هنا ليس معركة تدور رحاها حول قطعة أرض تم احتلالها ،أو صفحة تاريخ جرى اختزالها ، بل هو صراع أرض وتاريخ معا ، صراع وجود لا حدود ، هو حربٌ ضـَروس ٌ بين الحياة والموت ، بين البقاء والفناء ، بين الكاف وبين النون في " كينونة " شعب أريد له أن يموت فانتفض على الموت وعلى العدم ، فهذه الإسرائيل لم تترك وسيلة إلا ابتدعتها من أجل طمس وسرقة ونهب وابتلاع كل ما يشي أو يشير أو حتى يرمز إلى أن هناك شعبا حيا عمره آلاف السنين توارث أجداده هذه الأرض بأزمان سبقت اللقاء المشهود بين " طالوت " و " جالوت " ، بل وحتى قبل أن يذهب " يعقوب " - إسرائيل - إلى مصر مع " الأسباط " بدعوة من الشقيق الأصغر الذي خانوه وألقوه بالجـُـبّ ْ .

 

إن هذا الاعتراف قد قضَّ مضاجع الاسرائيليين وأصابهم بـ " سـُعار " الإستيطان في الضفة والقدس ، كردة فعل بائسة ، كما ودفع نتن ياهو إلى التهديد والوعيد بسلسلة من الإجراءات الإضافية من مثل حجز أموال السلطة والتلويح بمسلمات حقوقية أخرى ، تشاركه في ذلك الولايات المتحدة : تلك الدولة التي لطالما دعت إلى الشفافية وحقوق الإنسان واحترام ميثاق الأمم المتحدة ، والتي لطالما طرحت نفسها كدولة داعمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وإذ بها توحد مواقفها مع الصهاينة – كالعادة – ولأسباب انتخابية هذه المرة - وتعلن أنها ستحجب مساهمتها عن اليونسكو بقيمة 60 مليون دولار ، وللمصادفة – ربما – فإن هذا الرقم يحاكي سني عمر التغريبة الفلسطينية نفسها ، وإن حجب هذا المبلغ يفرض علينا - كحكومات عربية - أن نقوم بواجبنا .

إن أكثر ما تخشاه اسرائيل والولايات المتحدة اليوم من الموافقة على العضوية الكاملة لفلسطين في اليونيسكو هو تأثير هذا القرار على منظمات أخرى حيث تسعى فلسطين نفس المسعى لنيل العضوية الكاملة في منظمات مثل: حماية الملكية الفكرية – الصحة العالمية – الدولية للطيران المدني – الدولية للطاقة النووية – الدولية للتنمية الصناعية ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية... فهل ستقطع الولايات المتحدة التمويل عن كل هذه المنظمات وهي تعرف جيداً أن قطع التمويل سيضعف تأثيرها السياسي داخل تلك المنظمات في زمن الأزمات الإقتصادية الطاحنة ، وفي زمن ثورات الربيع العربي الذي تقف منها أميركا موقف المؤيد الداعم لاحتجاجات الشعوب العربية ضد أنظمة القمع والاستبداد التي تحكمها؟ ..

إن المعركة التي تدور اليوم من أجل نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة هي معركة عقلانية ، وهي شكل من أشكال النضال السياسي الوطني الذي لا يقل أهمية عن النضال العسكري ، مع علمنا المسبق بالفيتو الامريكي القادم .

عضوية فلسطين في اليونسكو ، هي نضال من أجل حماية التراث والفلكلور الكنعاني العريق ووضع المناطق الأثرية الفلسطينية تحت حماية اليونيسكو ووقف الحفريات في القدس وبقية المناطق الفلسطينية.. هي عضوية تضمن أن لا تسرق شركة " العال " الإسرائيلية أثواب الفلسطينيات المطرزة فترتديه المضيفات اللاتي جاء آباؤهن من روسيا وبولندا وغيرها كما يفعلن الآن وينسبنه إلى فلكلورهن المتوارث عن جدودهن ، وأن لا يـُسرق الدحنون والسريس والزعتر ويوضع في ألبوم أزهار وأشجار " أرض إسرائيل " التي لم تكن يوما كذلك لا اسما ولا مسمى ، وأن لا ترمز القيامة والمهد والأقصى لوزارة سياحة إسرائيلية لا علاقة لها بها لا حضاريا ولا ثقافيا ولا تاريخيا ، وهي – ايضا – عضوية تقف " جدارا عازلا " في وجه الطمس والإلغاء والشطب والتغييب .

انتصار فلسطين هو من ثمار شجرة انتصار الثورة المصرية الباسقة التي لفظت من تحت ظلالها الوارفة الظليلة طاغية وقف " سدادة قذرة " في وجه انسياب هواء الحرية إلى الرئة الفلسطينية المختنقة ، طاغية وقف لعقود طويلة حجر عثرة في طريق الخيارات الفلسطينية الكثيرة فكان - من وجهة نظر صهيونية - خيرَ من يلجمها وأفضلَ من يقف في وجهها ترغيبا وترهيبا وابتزازا ، وإلا فبماذا نفسر هذا الحراك الفلسطيني الكبير والعظيم ، وهذا الإصرار على اجتراح المعجزات وخلق البدائل بكل ذكاء وحنكة وقدرة وقوة بعد أن سقط هذا الطاغوت الأرعن ؟؟ .

 


إن فلسطين كانت وما زالت حية نابضة في قلوب الشعوب العربية وكل شعوب العالم ، وستنتصرفي قادم الأيام كعضو كامل في الأمم المتحدة وإن طال الزمن .

 

د. فطين البداد       

fateen@jbcgroup.tv

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات