حق الحياة بحرية وكرامة
أغلب الناس سمع أو يسمع عن القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كذلك بالمنظمات والمؤسسات ذات العلاقة، إلا أنهم لا يعرفون عنها وعن آليات عملها وتواريخ إنشائها ونصوص موادها إلا النزر اليسير.
غير أن الكل يعلم بأن هذه المؤسسات - على اختلاف تسمياتها - تشترك جميعها في هدف واحد هو : حماية حقوق الإنسان ، كل إنسان " على وجه الأرض ...
واليوم ، وفي مطالعة ليومياتنا العربية ، فإن هذه المنظمات والمؤسسات تلعب دوراً رئيسا وهاماً في الحراك السياسي الذي تشهده الدول والمجتمعات ، وتشكل ضغطاً كبيراً على الأنظمة الشمولية من خلال مناهضتها الصارمة لجميع أشكال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية وغير الإنسانية التي تتلذذ بها بعض أنظمتنا العربية الديكتاتورية وتحترف ابتكار أساليبها القميئة ، وغير المحترمة .
ولعلّنا ندرك أهمية تلك القوانين والأنظمة والأعراف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان في عصر القمع والإرهاب والاستبداد، لذلك ، فإني ارتأيت أن يلقي قرائي الأعزاء معي نظرة سريعة على بعض بنود وثيقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وموادها الثلاثين التي وقعت على معظمها حكوماتنا العربية ولكنها لم تتقيد بها جريا على عادة استمرأتها فحواها : " ما حد قاري ورق " دون أن تدرك بأن الزمن تغير ، وبأن الجميع يقرأ ويسمع ويشاهد ويتكلم .
فالمادة (١) تقول : بأن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.. لكن الواقع الذي عاشه ويعيشه عالمنا العربي انبثق عنه في النهاية ربيع ثوري أول ما نادى وينادي به الحرية والكرامة بعد طول عسف وعظيم ظلم .
والمادة (٣) تقول : لكل فرد الحق في الحياة وفي سلامة شخصه ، وهي قاعدة إنسانية وأخلاقية وحقوقية يقابلها – للأسف – واقع ينقل مئات ، بل آلاف الضحايا التي تسقط ظلما وقهرا واستبدادا جرّاء آلة القمع والاستبداد التي تستخدمها حكوماتنا العربية في مواجهة شعوبها التي كسرت حاجز الصمت والخوف وخرجت تنادي بأعلى أصواتها مطالبة بحقوقها..
أما المادة (٥) فتستنكر تعرض أي إنسان للتعذيب والعقوبات والمعاملات القاسية والوحشية.. وها نحن نشاهد يومياً عكس ذلك تماما عبر وسائل الإتصال الحديثة من أنترنت وفيديوهات وغيرها تستعرض الإهانة والوحشية والتعذيب القاسي الذي يتعرض له المواطن العربي والذي يصل أحياناً إلى حد الموت، وهو ما يناقض هذا الحق وينقضه ويلغيه من قواميس البشرية.
وفي المواد (٧-٨-٩-١٠-١١) هناك حديث حازم عن القانون وعن أن الناس جميعهم سواسية أمام سلطته ، ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة كما لهم الحق في اللجوء إلى المحاكم الوطنية لإنصافهم من أفعال جرى فيها اعتداء على حقوقهم الأساسية المنصوص عليها في دساتير بلدانهم ، وإذ بنا نجد ما يخالفها وما يسخفها من خلال الأعداد الكبيرة لمواطنين عرب يقبعون في السجون العربية لسنوات طويلة تحت أقسى وأشد الظروف دون خضوعهم لمحاكمة ودون أدنى حق في اللجوء إلى المحاكم لمعرفة مصيرهم حتى أضحت بعض الأقطار غابة معتمة استباحوها جهارا نهارا بكل تجبر وصلافة ، وأمثلة ذلك كثيرة لا تبدأ بأسرة تبحث عن مفقود يقضي ذووه عمرهم كاملاً في البحث عنه دون جدوى ليموت الآباء والأمهات في حسرة الغياب ، ولا تنتهي بالمسجونين ظلما لعقود طويلة بدون محاكمة ، أو الممنوعين من السفر لأسباب لها علاقة بـ " درء المفاسد " مع أن رافضي السماح بالسفر أو العودة هم الفاسدون ، وهم الذين يجب أن تدرأ الشعوب مفاسدهم وإفسادهم .
ولعلّ الأشد مدعاة للسخرية في واقعنا العربي هو حق الفرد في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون اختياراً حراً وفق انتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع ، أي دون سلطة لشخص واحد أو عائلة واحدة إلى الأبد في حكم وإدارة البلاد ونهب ثرواتها وخيراتها والتمتع بها على حساب الوطن والمواطن.
إن ما قدمناه هو غيضٌ من فيض ما يمارس بحق الإنسان العربي الطامح بالحرية والكرامة ، فانتفض في ربيع مشهود أثار إعجاب الدنيا وأصبح تقليدا لشعوب الأرض التي باتت تطلق هتافاتها بالعربية .
فبؤسا بؤسا لـ " بعض " حكامنا وأنظمتنا العربية الديكتاتورية القمعية ، وويلٌ لهم مما قدمت أيديهم ومن مصير أسود ينتظرهم بأيدي شعوب ذاقت الأمرين فانتفضت في ربيع لا بد سيزهر حرية وكرامة وعدالة .
د. فطين البداد