المنصف المرزوقي : الملهَم والملهــِـم
" تعيشوا ويحيا الوطن " بهذه الكلمات أنهى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي خطابه بعد أدائه اليمين الدستورية، وهو أول رئيس عربي منتخب بديمقراطية منذ سنوات طويلة درج فيها العرب على إرث من الطغاة والديكتاتورية.
هذا الخطاب انتظره كل العرب : فالثورة التونسية هي أولى الثورات العربية ، وهي شعلة الربيع العربي في ثورته ضد الظلم والقهر والاستعباد نحو الحرية والكرامة.. وعلى الثورة التونسية ونتائجها تتوقف الآمال العربية : فالأمة العربية - بكاملها - تنظر إلى هذه الثورة المجيدة كـ " مختبر " يُنهل من تجربته ، ونجاحها مثال وقدوة تحتذى ، وفشلها – لا قدر الله - سينعكس بالسلب على الربيع العربي كله .
من هو المنصف المرزوقي؟ ..
هو أول رئيس عربي يبكي خلال دعوته طلب الرحمة على شهداء تونس الأحرار، ويدعو بالنصر للمناضلين في سوريا واليمن وفلسطين الذين يتصدون للاحتلال الداخلي والخارجي بصدورٍ عارية، في مشهدٍ وسابقةٍ لم تعتدها الشعوب العربية من رؤسائها وزعمائها وهي التي ترزح تحت وطأة الظلم والاستبداد والاستعمار.
هو المنتخب بإرادة الشعب الحر وهو السلطة الممثلة لإرادة هذا الشعب لأول مرة في التاريخ العربي المعاصر .
هو الذي أعلن في خطابه أمام شعبه والعالم أنه سيبذل قصارى جهده في العمل على مواصلة بناء جمهورية مدنية ديمقراطية ، ومجتمع تعددي متسامح يتسم بمفاهيم العدالة والحرية والمساواة، بعد أن عاش الشعب التونسي والشعوب العربية الأخرى - وما زالوا - في ظل أنظمة سياسية صادرت سيادة الشعب وتلاعبت بالدستور وفرضت إرادتها الفردية كأنظمة شمولية على الارادة الجماعية، ووزعت – بطريقة ظالمة - الثروة والسلطة على المقربين منها، ورفضت أي تغيير أو تداول سلمي لها وتصدت لكافة أشكال الاصلاح ، فكرست الفساد في كل قطاعات المجتمع، وواجهت الشعوب الثائرة بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة وبأس مطلقة ً جيوشها ورصاصها ودباباتها نحو أبنائها ، لتعم الفوضى والخراب والدمار ولتنتشر صور القتل والعذاب والدماء .
المنصف المرزوقي هو الطبيب والأديب والباحث والناشط السياسي الذي سُجن لسنوات في سجون الطغاة، وسُحب منه جواز سفره التونسي بسبب معارضته الشديدة لنظام زين العابدين بن علي ومطالبته بالحرية والعدالة والمساواة.
هو الذي تنبأ في حوار تلفزيوني مع الاعلامي فيصل القاسم في برنامج (الاتجاه المعاكس) في العام ٢٠١٠ بسقوط وانهيار الأنظمة العربية الديكتاتورية الشرسة التي ماتت في العقول والقلوب العربية.
هو الذي آمن بهذه الشعوب وبالقيادات الشابة وبقدرتها على التغيير وإسقاط هذه الأنظمة : فدعاها إلى التحرك والتظاهر وإلى كسر حاجز الصمت والخوف.
هو من قال : (الخيار الوحيد المُتاح أمام التونسيين اليوم هو بين النجاح والنجاح ) فلا مكان للتراجع ولا لعودة الفساد والتزييف والقمع ولا للقيود والسلاسل ، ولا لمزيد من الُمهجّرين والمعتقلين والموتى والضحايا ، ليثبت للعالم بأن الشعب التونسي شعب متحضر قادر على التوافق في ظل أصعب وأشد الظروف ، وبأنه يمتلك الإمكانيات والمؤهلات لبناء دولة تونس الحديثة التي ستكون - بفضل جهود أبنائها وعزيمتهم وإصرارهم على النجاح - منارةً ومثالاً وتجربة تمضي الشعوب العربية على غرارها وتسير على نهجها.
المنصف المرزوقي هو اليوم القائد الملهــَم والملهـِم لكل الشعوب العربية الثائرة على الظلم والقمع والفساد ، لأنه الممثل لإرادتها ، والمجسد للديمقراطية التي تحلم بها ، لتختار – هي نفسها - من يمثلها ومن يمضي بها قدماً نحو تحقيق مطالبها وتطلعاتها .
د. فطين البداد