الحيلة السورية " الرسمية " لا تنطلي على أحد
يظل المشهد السوري بكل أبعاده متصدرا كافة الأحداث التي تجري في وطننا العربي على أهميتها وحساسية بعض ملفاتها ، وبالاعتذار من الجميع (كما قالت الاعلامية منتهى الرمحي) : بالاعتذار من تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها .. فإنني أجدني ملتزما بالكتابة عن هذا الملف الذي يعني كل أولئك الذين اعتذرت منهم ، لأن ما وصلت إليه الحال في سوريا - الدولة الجارة والشقيقة والتي ترتبط مع الأردن ليس فقط بحدود وعلاقات جوار وإنما برباط الدم والتاريخ والمصاهرة وهي أقدس أنواع الروابط وأكثرها متانةً – أقول : إن ما وصل إليه الحال هناك يدمي القلوب ويجبر الدموع على الإنحدار مردفة بغصة في الحلق والوجدان حزنا وكمدا على أرواح أخوة لنا يتساقطون بالعشرات أمام مرأى ومسمع العالم كله بما فيه هذا العالم العربي ( الرسمي ) نفسه .
ما حدث مؤخراً في قلب العاصمة دمشق من وقوع انفجارين قرب أجهزة أفرع الأمن السورية قام بهما، بحسب رواية النظام السوري، انتحاريان من تنظيم القاعدة تزامناً مع وصول بعثة المراقبين العرب بعد توقيع سوريا على بروتوكول الجامعة العربية الذي أضافت إليه دمشق تعديلاً بسيطاً وهو أن تمكث البعثة شهرا واحدا في الأراضي السورية، ما حدث كشف أن هذه البعثة " لا تغني فتيلا ولا تجدي " كما قال المتنبي : إذ إن أعضاءها منشغلون بحادثتي الانفجاراللذين خلفا ٤٠ قتيلاً وأكثر من ١٠٠ جريح ومصاب، في نفس الوقت الذي سقط فيه 25 شهيدا سوريا خلال المظاهرات التي انطلقت في معظم المدن والقرى السورية تطالب بإسقاط النظام ،ورغم ذلك فإن البعثة العتيدة لا حس ولا خبر .
ولا بد لنا هنا من أن نتساءل ونسأل النظام وأركانه الذين يلعبون بالوقت والدم : كيف عرفتم خلال 10 دقائق بأن من قام بالتفجيرين هو تنظيم القاعدة الإرهابي بينما لا تستطيعون أن تعرفوا من يقوم بأعمال العنف التي تتحدثون عن أن إرهابيين يقومون بها منذ 10 أشهر ؟؟ ..
إنها لمفارقة تستحق التوقف عندها مليا مع إسقاط ما أعلنه التلفزيون الرسمي السوري كليا حول إلقاء القوات المختصة القبض على أحد الإنتحاريين ، ولا ندري كيف يتم إلقاء القبض على شخص منتحر فجر نفسه كما تقول الرواية الرسمية ، دون أن نسقط من قراءة المشهد ما خرج علينا به تلفزيون دمشق الرسمي من مسيرات جماهيرية وأغان وطنية شهدتها العاصمة مساء الجمعة ( عشية وقوع التفجيرين الانتحاريين ) حيث رُفعت الاعلام السورية وصور الرئيس السوري وهُتف باسمه، بدلاً من رفع أعلام الحداد والهتاف لأرواح الشهداء ، مع علم الدنيا بأسرها أن الشعب السوري بطبيعته وتاريخه أبعد ما يكون عن الإرهاب والتخريب والخراب ، بدليل بقاء هذا النظام طوال هذه الحقبة العجفاء من تاريخ سوريا الحديث .
إنه ومما لا شك فيه أبدا : أن تنظيم القاعدة الدموي والغبي قتل الآلاف ويتم ورمل ذوي أعراق وجنسيات وأديان من مختلف الملل والنحل في كل العالم ، غير أن رواية النظام الأخيرة تذكرنا بما كان يقوله القذافي عن ثوار بنغازي ومصراته والزنتان وغيرها من الحواضر الليبية العزيزة والمحررة : أن كل أولئك من انصار بن لادن والقاعدة ، وهو الأمر الذي لم يصدقه أحد ، ولا حتى ألد أعداء القاعدة : الولايات المتحدة ، التي دخلت مع روسيا في صراع بمجلس الأمن عشية التفجيرات الأخيرة بدمشق والتي أدينت عالميا ومن المجلس ، إلا أن الحيلة السورية " الرسمية " لم تنطل على أحد ولم يصدقها إلا الروس ، هذا إن صدقوها ..
إن ما أعلنه الإعلام السوري الرسمي عن أن من قام بالتفجيرات هو تنظيم القاعدة الإرهابي ، إنما هو تمهيد رخيص لحرب طائفية يسعى النظام إلى إشعالها في سوريا : فلتحترق سوريا قبل أن يحترق كرسي بشار ، ولتغرق سوريا بالدماء قبل أن يرحل بشار وأركانه عن الحكم .
حذار أيها الشعب السوري العظيم من لعبة الطائفية التي يريد النظام جركم إليها ليضمن استمراريته ويبرر أفعاله، ولتكن ثورتكم سلمية كما بدأت تحمل أجمل الشعارات وأقواها وأكثرها عمقاً وتأثيراً: واحد واحد واحد ، الشعب السوري واحد " كما كنتم وما زلتم تهتفون بعزيمة وأنفة وذكاء وحرص على وحدة البلد والشعب ..
حذار أيها العرب أن تنسوا بأننا جميعا مسؤولون عن كل قطرة دم عربية سورية تنزف وستنزف في مقبل الأيام ، وحذار أن ننسى بأننا إذا وضعنا في آذاننا وقرا عما يجري في سوريا فإننا نكون حينها شهود زور ، بل إننا شركاء فعليون في الجريمة .
د. فطين البداد