بروتوكول العربي
بعد أخذٍ وردٍ طويلين ما بين توقيع ما اصطلح عليه " البروتوكول " الذي تقدمت به الجامعة العربية للحكومة السورية ورفضه من قبل هذه الحكومة ومن ثم قبوله بعد تعديله .. تبين - بما لا يدع مجالا للشك - : أن هناك نية قد تكون عربية رسمية للاسف ، غايتها : الضحك على الذقون ودعم النظام من خلال " عباءة " المراقبين العرب .
البروتوكول – كما نعلم - ينص على إرسال بعثة من المراقبين العرب للتوثق من حقيقة ما يجري في سوريا من روايات مختلفة بين رواية النظام عن : أن هناك إرهابيين وعصابات مسلحة وسلفيين ومندسين وإلى ما هنالك من تسميات عديدة تثير الرعب والفوضى في المدن والقرى السورية وتقتل وتختطف وتعذب الأبرياء والمدنيين ، وبين رواية الشارع والمعارضة في : أن هناك شارعا سوريا منتفضا ينبض بعزيمة وشجاعة أبنائه السوريين المطالبين بالحرية والكرامة وبإسقاط النظام ورئيسه الذي عاش السوريون سنواتٍ طويلة امتدت لأربعة عقود من حكمه وحكم والده ، و تجلت أبشع صوره اليوم في ما نشاهده من صور ومشاهد يومية تعكس سياسة عائلة الأسد (الأب والابن والأخ والعم سابقا والخال لاحقا ) في قمع الحريات وقتل الأبرياء واعتقال أصحاب الرأي والتنكيل والتعذيب لكل من كسر حاجز الخوف وخرج عن صمته فقال كلمته مطالباً بحقوقه وبوطنٍ حر ديمقراطي قائم على العدالة والكفاءة والمساواة.
ثم وأخيراً ، وبعد أن تم التوقيع على البروتوكول " المعدل " تدفق أعضاء بعثة المراقبين العرب إلى سورية على دفعات برئاسة السوداني محمد مصطفى الدابي لمتابعة ما يجري على أرض الواقع ورصد الحقائق وتنفيذ بنود البروتوكول : بسحب الآليات العسكرية من المدن والشوارع السورية ووقف آلة القتل والقمع والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين والسماح بالتظاهر السلمي وغيره ..
ولكن في الوقت الذي يُفترض أن تكون هذه هي مهام وواجبات بعثة المراقبين العرب، يسقط يومياً من المتظاهرين العشرات تحت مرأى ومسمع من البعثة العربية التي ذهبت إلى أكثر المناطق سخونة وعادت بشهادة رئيسها " الأولية " : بأن الوضع في سوريا هادئ ومطمئن ولا يثير الفزع !! .
وبينما يتساءل الشعب السوري والمراقبون والمتابعون لما يجري عن هذا الهدوء المزعوم وهذا الاطمئنان الذي تحدث عنه رئيس البعثة ( انكر تصريحه لاحقا ) يمر علينا مشهد سيُحفر في الذاكرة العربية لرئيس البعثة الدابي وهو يتجول في أحد أحياء حمص ( عاصمة الثورة السورية) الأكثر تعرضاً للعنف والقصف وبالقرب من حي " بابا عمرو " الأكثر اشتعالاً والذي دخل التاريخ باسمه وبعزيمة وقوة أبنائه، فيشاهد الملايين حول العالم هذا الدابي يمشي مشيته العسكرية عريض المنكبين حليقَ الرأس يدخن سيجارته الغليظة وإلى جانبه مواطن سوري من نفس الحي المشتعل يدعوه إلى الاقتراب ودخول الحي ليشهد على المجزرة والإبادة التي يتعرض لها الأهالي هناك ، لكن الدابي هذا يتابع سيره نافثا دخانه دون أن يعير هذا الشاب أدنى اهتمام ولا حتى نظرة احترام توحي بأنه هو وبعثته هناك من أجله ومن أجل غيره، وهنا نتساءل : هل لو كان رئيس المراقبين " البطل " برفقة ضابط أمن سوري فهل سيتجرأ على التدخين أصلا ولا نقول نفث الدخان في وجه الضابط المفترض ، أو السير بهذه الطريقة المستهترة ؟؟ .
هل هذه البعثة من المراقبين العرب هي مجرد ديكور وإكسسوار لمجرد إعطاء النظام السوري المزيد من الشرعية والمزيد من الوقت والفرص للقتل والتعذيب والتدمير؟؟..
وهل الغاية من تواجدها في الأراضي السورية الوقوف عند الحقائق أم تزوير هذه الحقائق؟؟..
وهل ستقضي البعثة أيامها المتبقية تصول وتجول وتلتقط الصور لعائلات منكوبة تنظر إليها بعين العطف وتطلب منها النجدة .. ؟؟
أم أن المهمة الملقاة على عاتق المراقبين العرب أشد وأقوى وأكثر واقعية وضرورة من صورة ونظرة ودمعة؟؟ : هي إنقاذ شعبٍ يتعرض لأبشع أنواع الممارسات منذ ١٠ أشهر بدون منقذ أو معين : لوحده الشعب السوري عاري الصدر يواجه رصاص الاستبداد ليس لديه من سلاح سوى حنجرته وعزيمته وروحه التي يلقي بها في مهاوي الردى من أجل حريته وحرية وطنه ، بينما المراقبون العرب يمشون " الهوينى " أمام مشاهد الموت والدم والصراخ ، يعدون تقاريرهم المطمئنة والإيجابية والهادئة جدا عن أنه لا فزع هنالك ولا قلق ؟! .
إن جمعة ( الزحف إلى ساحات الحرية) الأخيرة هي رد من الشعب السوري الحر ورسالة قوية وهادرة إلى بعثة المراقبين العرب وإلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي وإلى العالم كله : بأن السوريين يستطيعون أن ينالوا حريتهم بأنفسهم دون وصي ولا مراقب ، وأن الحرية لديهم لا تقف عند ساحة أو شارع أو حتى باب ، بل هي قدر مقدور ، وحكم محكوم ، لأن هذه هي طبيعة الأشياء ، والثورات .
د. فطين البداد