شيوخ ووعاظ السلاطين
يلعب بعض رجال الدين اليوم دوراً فيما يشهده الوطن العربي من حراك سياسي ومن حركة الجماهير العربية وانتفاضتها ضد الظلم والطغيان ودعوتها إلى الحرية والكرامة وبناء دولة العدالة والديمقراطية.
وقد برزت - ضمن هذا الحراك الجماهيري - ظاهرة : " الفتاوى الدينية " التي تصدر بين الفينة والأخرى لتبرر مواقف بعينها أو – على الأصح - لتغطيها دينيا ، وظهر ذلك جليا في بعض الدول العربية التي تشهد ثورات شعوبها ضد الأنظمة الديكتاتورية : إذ يتم استخدام " بعض " رجال الدين ( وأشدد على صفة بعض ) لتمرير وتسويغ أقوال وأفعال الحكام من منظور ديني وذلك لما يشكله " شيوخ الدين " من ثقة لدى الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية :
فبينما يجتاح كل مدن مصر مظاهرات واعتصامات ضد العميل حسني مبارك تطالب برحيله واستعادة العزة والكرامة والحرية للشعب المصري التي سحقها النظام ، وكذلك اجراء انتخابات نزيهة وتحقيق الديمقراطية وخلاص " المحروسة " من التبعية والإذلال ، يخرج فجأة مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة ويفتي بعدم جواز الذهاب إلى صلاة الجمعة وعدم التعبير عن أي رأي سياسي من قبل المصلين سواء كان رفضاً أو تأييداً للحكومة " خوفاً من الفتنة على النفس أو المال " .. (بحسب قول مولانا الشيخ )!! وكأن النفس والمال أهم من مستقبل مصر وعزتها وكرامتها وحريتها.. وكأن الجامع في الأساس ليس بالمكان الذي " يجتمع " فيه المصلون لتأدية فريضة الصلاة والتدارس في أمور الدين والدنيا للوصول إلى حلول ناجعة تهدئ البال وتسكن الفؤاد.
ووصل الأمر ببعض الشيوخ أن أفتوا بتحريم التظاهر ضد الحكام وأولياء الأمور حتى ولو كانوا من العصاة كما فعل المفتي السعودي وذلك تحسبا من امتداد الغضب الشعبي إلى شوارع المدن السعودية.
ولا يخفى على أحد الدور الذي يلعبه العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والشيخ أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية السورية من إصدارهما للعديد من الفتاوى التي تمس الثورة السورية ، ولعلَّ أكثرها مدعاة للسخرية تلك الفتوى التي حرما فيها صلاة التراويح في شهر رمضان الفضيل " منعاً لإثارة الفوضى والفتن " .. ( وليس خوفاً على نظام فاسدٍ عاث في الأرض فسادا ) هذا ناهيكم عن التهديدات التي أطلقها حسون في الأحداث الأخيرة : بأن أي تدخل عسكري في سورية من شأنه أن يؤدي إلى عمليات انتحارية في سورية وأوروبا وهو ما نشهده حالياً على الساحة السورية وهو ما يعني تطوراً في البلطجة وعولمة لها.
ونذكر في هذا المقام الشيخ " علي أبو صوة " - مفتي الجماهيرية الليبية - الذي كان يفتي الناس قبل إلقاء القبض عليه باستحلال الدم وبأن القذافي هو ولي الأمر وواجب على الشعب الطاعة.. ثم وبعد أن تم القبض عليه من قبل الشعب الليبي المنتفض على الظلم والطغيان، أعلن بأنه كان إلى جانب الثوار الليبيين والثورة الليبية وأعلن دعمه ومساندته للمجلس الوطني الانتقالي لما فيه من مصلحة للبلاد والعباد.
ومن ضمن هذه المواقف المخزية من قبل بعض الشيوخ الذين يتلحفون بالدين غطاءً وعباءة والدين براء منهم ومن مواقفهم ، ما ظهر مؤخراً في مصر خلال الانتخابات البرلمانية : فلقد رأينا كل اتجاه من الإتجاهات المتنافسة يوظف الدين في خدمته ، وتبدى لنا المشهد أوضح وأنصع عندما ظهر أن لكل حزب مفتين وشيوخا ، ولكل موقف سياسي شيخ جاهز للفتوى و " التخريجة " المناسبة ، دون أن يتقي هؤلاء الله ، أو أن يمتثلوا لقول رسولنا الأعظم عليه الصلاة وأفضل السلام : " من أفتى بغير علم فقد كفر " فما بالكم بمن دهلز ومن زور ومن جيـّر الدين لمآرب شخصية أو حزبية أو فئوية .. إلخ ...
ولأن الشيئ بالشيئ يذكر ، فإنه لا يفوتنا التذكير بما نشاهده في ( شريط الفيديو الذي انتشر عبر الانترنت) عن أن الدكتور أيمن نور الذي دخل منافسا لمبارك في الإنتخابات جاء بدعم أمريكي ولذلك : فإن "التلاعب بالإنتخابات واجب " .. .
وأيضا في ما يتعلق بالمشير طنطاوي - القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة - من حيث إنه " إمام مؤقت " يجب مبايعته إن أراد هو التمسك بالسلطة ..وإلى ما هنالك من كلامٍ يزرب منه النفاق زربا ، وينضح منه الهذر والزيف والاستخفاف بعقول الناس ما يثير الاشمئزاز والضيق ، وهذا بالضبط ما جعل العامة والخاصة وكل فئات الشعب يفقدون الثقة بهؤلاء الشيوخ جملة وتفصيلا .
لقد ناضلت الشعوب العربية في سبيل حريتها وبذلت الغالي والنفيس من أجل تحقيق الديمقراطية ، والوصول إلى بناء دولة مدنية يتساوى فيها الجميع ويسودها العدل والكرامة ويشعر فيها المواطن بإنسانيته ومواطنته مهما كان دينه وإنتماؤه وعرقه ، .. ولعلّ سلاح الدين أشد الأسلحة مضاء وقوة لما له من تأثير كبير وعميق في النفوس والعقول.
فليذكر البعض من هؤلاء الذين يبيعون دينهم بدنياهم ما قاله الفاروق عمر لابن عمرو بن العاص مدافعا عن القبطي المصري المظلوم : متى استعبدتم الناس وقد ولدهم أمهاتهم أحرارا ؟؟ .
هذا هو الدين ، وما دون ذلك فهو هذر وذر للرماد في العقول والقلوب .
د. فطين البداد