لماذا ينتحرون بالنار ؟
منذ فترة ليست بالوجيزة ونحن نطالع في الإعلام عناوين للأخبار مفادها : انتحار أو محاولة انتحار مواطن أردني في إحدى المدن أو القرى الأردنية، وعند متابعتنا لحيثيات الخبر ، ومجريات وأسباب ما يجري ، نجد أن مرد ذلك كله يعود إلى الفقر وضيق الحال والجوع والعوز وصعوبة العيش بكرامة.
هذه الحال ، لا تقتصر فقط على فئة محدودة دون غيرها ، بل تمتد إلى غالبية أبناء الوطن الذين يعانون شظف العيش والعوز نتيجة للسياسات التي تتبعها الحكومات المتعاقبة ، مما أدى – راهنا - إلى محدودية الدخل وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة وانتشار الفساد الذي أنهك الاقتصاد فضجت البلاد والعباد .
لقد شهد الأردن خلال السنوات القليلة الماضية تعاقب عدة حكومات بتكليف من جلالة الملك عبد الله الثاني ، لم تصمد طويلاً، حيث إن كل حكومة حملت في جعبتها أشكال وألوان الشعارات والوعود فكنا نتوسم فيها الخير على اعتبار أنها ستترجم التوجيهات الملكية في توفير حياة كريمة للمواطنين ، ولكن كل ذلك ثبت بأنه أمنيات وتمنيات .
إن ما شهدناه وعايشناه الأسبوع الماضي من إقدام مواطنين أردنيين اثنين على حرق نفسيها احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها كلٌّ منهما، دليل محكم وصارخ على أن التوجيهات الملكية لا تلقى آذاناً صاغية لا من الحكومات التي تستند ظاهريا على كتب التكليف ، ولا من أعوانها في كل حقل من حقول الدولة ، إلا ما رحم ربي .
ما الذي يدفع بإنسان إلى إنهاء حياته بحرق نفسه لو لم يكن ما يعانيه أشد حرارة وأصلى لهبا من فعل القتل الذي حرمه الله والدين ؟؟.
هل يعقل أن يحاول شاب في مقتبل العمر أمامه الحياة بطولها وعرضها وتفتح له ذراعيها وتبشره بمستقبل مشرق يحقق من خلاله أحلامه، أن يلقي كل هذا في مهاوي الموت بالإحتراق لولا أن هذه الحياة قد أغلقت كل الأبواب في وجهه ولولا أنه لا بصيص أمل لديه ولا نقطة ضوء في نفق حياته المعتم ؟؟..
هل يعقل لرب أسرة : بدل أن يشهد أولاده يكبرون فيعانقهم ويوصلهم إلى بر الأمان ويفرح بهم وبنجاحاتهم أن يحرق نفسه هكذا عبثا وسدى لولا أنه فقد البوصلة وفقد الإحساس بالأمان فأمسى الحزن والقلق والخوف " روزنامته " اليومية التي تؤرخ له ثواني وساعات وأيام عمره القاسي والقاحل ، ففر نحو عود الثقاب فالإحتراق فالموت !!؟؟ ..
لماذا ندفع بأبنائنا نحو الموت؟ لماذا نسلبهم فرصة العيش الكريم؟؟ لماذا تكون الحياة حكراً على فئة دون آخرى؟؟ فئة تعيث في الأرض فساداً فتسرق وتنهب الوطن وتنخر بالدولة مما أفرغ خزينتها وأثقلها بالديون وفوائدها ؟؟ ..
عجيب وغريب أمر الحكومة : فبدل أن تثلج صدر المواطن المظلوم وترفع عنه الإحساس بكونه ضحية فتعطيه الأمل بمستقبل أفضل من خلال ملاحقة أوكار الفساد والنيل من الفاسدين وتحقيق العدالة الاجتماعية بمحاكمات علنية لهؤلاء المجرمين ، إذ بها تباشر بإصلاحات من شأنها أن توقع الظلم على المواطن الأردني أكثر فأكثر من خلال ما أطلقت عليه " هيكلة الرواتب " حيث خفضت من فاتورة الرواتب في نفس الوقت الذي بقي فيه ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة كما هو ، وهذا باختصار يعني – ضمن ما يعني – أن الفئة المدللة " ما غيرها " ستظل تنعم بالرفاهية ورغد العيش دون غيرها.. وهذا يشعل – بلا ريب - غضب الشارع الأردني وسخطه ونقمته ، فيخرج الناس إلى الشوارع دون التفات لأحوال الطقس : فالقضية أضحت على تماس مع لقمة الخبز ذاتها .
نعم هي لقمة العيش التي باتت في بعض الأحيان عصية على الناس : فعدم تأمين إمكانية العيش الكريم للأبناء دفع بهم إلى إحراق أنفسهم وإنهاء حياتهم ..
هو موقف يلخص حالة الشعور بالقهر والعجز ، هو إحساس إنسان لم يجد من وسيلة للخلاص – حسب تصوره - إلا بحرق نفسه ليشعل فتيل غضب الشارع الأردني الذي يجب أن نسارع إلى إطفائه باتخاذ خطوات فعالة وحلول جذرية بدلاً من إلقاء الخطابات ورصف الكلام وذر الشعارات ..
لنقلل من الزيارات والاستطلاعات والاستماع إلى شكاوي مواطنينا ، فلقد استمعنا ورأينا وشهدنا بما فيه الكفاية ، ولقد جاء وقت العمل والفعل قبل أن يفوتنا الزمن ونندم ، حيث لا ينفع الندم !.
د. فطين البداد