العقبة تفشل سياحياً !
في الوقت الذي تعاني فيه دول الجوار من أحداث مشهودة بسبب ثورات الربيع العربي وما تمخض عن ذلك من فوضى وحالة عدم استقرار وأمان في تلك الدول ومن عدم الإقبال عليها من قبل السياح والمستثمرين العرب والأجانب ..وفي الوقت الذي سُميت فيه مدينة العقبة الساحلية الأردنية : " عاصمة السياحة العربية في عام ٢٠١١ " .. في هذا الوقت : يتم الإعلان مؤخراً عن فشل العقبة سياحياً رغم ما هو متعارف عليه لدى الجميع من تميز هذه المدينة التاريخية العظيمة وامتلاكها لكافة مقومات النجاح ، مع أنه كان يفترض بسلطة منطقة العقبة الاقتصادية ملء الفراغ السياحي الذي طرأ في البلدان المجاورة التي يناضل مواطنوها لنيل العزة والكرامة ، ولكن هذا لم يحدث للأسف ولم تستفد العقبة من الفراغ المذكور قيد أنملة .
أما كان أولى بنا نحن الذين نعيش في نعمة الاستقرار والأمان أن نقود مدينتنا السياحية نحو العالمية بدلاً من أن تتصدر هذه المدينة عناوين الأخبار ليُعلن عن فشلها سياحياً وهي المنتقاة من قبل مجلس وزراء السياحة العرب لتكون عاصمة للسياحة العربية لعام ٢٠١١ ؟.
إن " أيْـلة " – العقبة - تحمل كل مقومات النجاح سياحياً واقتصادياً كونها منفذا بحريا مهما على ساحل البحر الأحمر الذي تزخر مياهه ببعض أكثر الشعب المرجانية جمالاً في العالم، وهي الغنية بالجبال الأرجوانية الساحرة التي يتغير لونها وشكلها مع تغير أوقات النهار، كما أن فيها من المعالم الأثرية الأخاذة ما يجعلها قبلة جذب للسائح المحلي والعربي والغربي ، ناهيك عن تميزها بمناخ جميل وملائم على مدار العام.
لقد صدعت إدارات متعاقبة لتوجيهات ملكية سامية، ولكن من حيث الشكل ، فطفقت تجهز العقبة ببعض الخدمات اللوجستية من سهولة الوصول والنقل : ففي العقبة مطار دولي وشبكة طرق حديثة وميناء بحري متطور، وهذا كله من شأنه أن يعزز من قدرة المدينة على جذب المزيد من السياحة.. إلا أن عجز سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة والجهات المعنية بالسياحة والمسؤولة عن تعزيز المشاركة والتعاون فيما بينها بما فيها القطاع الخاص لإنجاح تسويق العقبة كمنتج سياحي يحمل صيغة عالمية، أدى إلى هذا الفشل الذريع : حيث تراجعت الحركة السياحية بنسبة قاربت ١٥٪ وفق احصائيات رسمية ، وتراجع عدد السياح القادمين إلى العقبة بقرابة ٣٠ ألف زائر عن العام ٢٠١٠ مما أدى إلى خسائر فادحة في حجم الدخل السياحي وخسائر في الإيرادات السياحية التي هي أهم رديف لخزينة الدولة، فضلاً عن إضاعة الفرصة على العقبة بأن تأخذ مكانة عالمية مرموقة تضعها على خارطة أهم مناطق العالم من حيث السياحة والاصطياف.
تحتاج العقبة منا تكاتفا كبيرا وجادا والأهم : تعاونا شريفا ومخلصا وتحتاج أمانة ومصداقية في العمل من قبل كافة القطاعات السياحية وغير السياحية في الأردن بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه واستعادة مكانة العقبة دولياً : بالتشجيع على الاستثمار وتقديم كافة التسهيلات والمتابعة وتحمل المسؤوليات : فنحن نسمع بمليارات الدولارات من الاستثمارات التي تتدفق إلى العقبة من الخليج وأوروبا ولكننا لا نلمس أي إنجاز على الأرض ، سواء على الصعيد العمراني أو الصناعي أو السياحي، بل على العكس تماماً فإننا نشهد أضراراً وخسائر كبيرة.
كما أن إنجاح العقبة ، يحتاج - بالإضافة إلى ما سبق - إلى تعزيز قدرات مدينة العقبة على عقد مختلف الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية واستقبال الأنشطة والمؤتمرات ذات العلاقة بالسياحة والتنمية ومختلف ضروب الفعل والعمل.
هناك الكثير مما يُقال ويُخطط له بهذا الصدد ، ولكن الإشكالية لا تكمن في التخطيط والتنفيذ وإنما في " العقليات " التي يحملها أولئك المسؤولون عن العقبة وعن منطقة العقبة الاقتصادية فهم : إما أشخاص غير كفؤين وليسوا في المكان المناسب وجاؤوا عن طريق الشخصنة والمحسوبية مما أدى إلى إرباك العمل بهذه الصورة المشوهة..
أو أنهم أصحاب خبرات ومؤهلات تخولهم شغل المواقع القيادية ولكنهم ما أن يعينوا حتى يصدر القرار بإقالتهم فلا يكون لديهم الوقت الكافي للمعرفة والعمل والإنجاز ..
أو أن " بعضهم " غير أمناء في عملهم وغير مخلصين لبلدهم ومدينتهم ولا يعنيهم نجاحها أو إعلان فشلها ..
لقد بات المرؤ يعتقد بأن هناك نية لـ " البعض " في إفشال مشروع العقبة كمدينة عالمية، رغم كل التوجهات الملكية السامية ورؤى جلالته في تطوير هذه المنطقة وخلق بيئة استثمارية ملائمة وجاذبة من شأنها تنمية المجتمع المحلي وتنمية المجتمعات المحيطة بالعقبة وجعلها نموذجاً يحتذى في المملكة والمنطقة والعالم .
إنها الإشكالية ذاتها التي تدفع بالمواطن الأردني إلى التظاهر في الشارع مطالباً بالإصلاح ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين..
الإشكالية ذاتها في شبهات الفساد والبيروقراطية والكسل والإهمال وتغليب المصلحة الشخصية على العامة..
الإشكالية ذاتها التي نصطدم بها فتعيق من تقدمنا وتستنزف من خزينة دولتنا وتنهب من قوت أولادنا وحقنا في أوطان مزدهرة عامرة بالحياة والحب والنماء .
د. فطين البداد